ختان القلب
11 يناير 2013 - 3 طوبه 1729 ش
قال القديس استفانوس شهيد المسيحية الأول لرؤساء كهنة اليهود: «يا قُساةَ الرِّقابِ، وغَيرَ المَختونينَ بالقُلوبِ والآذانِ! أنتُمْ دائمًا تُقاوِمونَ الرّوحَ القُدُسَ» (أعمال 7: 51)، فبرغم كونهم مختونين بالجسد وهم حفظة الناموس والطقوس والعبادات إلاّ أنهم غير مختونين بالقلوب والآذان، فقلوبهم غطّتها غُلفة الكبرياء ومحبة المال ونجاسات العالم، وآذانهم الغلفاء ثفل سماعها فلم تميّز الحق ولم تعرف صوت الراعي الصالح. كانت ظواهرهم تبدو مثل الصدّيقين وبواطنهم مملوءة رياءً وخبثًا، وقد قال لهم الرب إنهم يشبهون القبور المبيضة. لم ينفعهم ختان الجسد في شيء بل لمّا تعدّوا الناموس الحقيقي وقاوموا الروح القدس، حُسِب أهل الغرلة "الوثنيون" أفضل منهم، عندما فتحوا قلوبهم وآذانهم لصوت الروح وقبلوا الكرازة بالإنجيل بفرح.
عهد الختان الأول كان علامة في الجسد لأن الإنسان كان جسديًا مبيعًا تحت الخطية، وحتي الوصايا كتبها الله علي لوحي حجر لأن قلب الحجر كان داخل الإنسان. فلمّا جاء ملء الزمان ووُلِد مخلصنا من القديسة مريم متحدًا بطبيعتنا صائرًا في شبه الناس – أكمل الختان في اليوم الثامن، وسالت القطرات الأولى من الدم الزكي وحقّق في جسده الطاهر كمال العهد بين الله والناس. فإن كان الختان هو عهد الله مع إبراهيم حيث قول الله: «سِرْ أمامي وكُنْ كامِلًا» (تكوين 17: 1)، فقد ارتفع ربنا يسوع بهذا العهد إلى الكمال المطلق في الفعل والقول، وما عجز عنه جميع الآباء والأنبياء أكمله المسيح بجسد بشريتنا فسمع صوت الاب من السماء: «هذا هو ابني الحَبيبُ الّذي بهِ سُرِرتُ ».
الختان الجديد... ختان المسيح:
عن الختان الحقيقي يقول معلمنا بولس: «وبهِ أيضًا خُتِنتُمْ خِتانًا غَيرَ مَصنوعٍ بيَدٍ ، بخَلعِ جِسمِ خطايا البَشَريَّةِ ، بخِتانِ المَسيحِ» (كولوسي 2: 11)، فإن كان الختان القديم يتم بقطع غلفة الجسد فإن الختان الجديد صار لنا بخلع جسم خطايا البشرية... أي دفن القديم بأكلمه – هذا ما أخذناه في المعمودية المقدسة.. التي هي شركتنا في موت المسيح وقيامته، في المعمودية خلعنا الإنسان القديم مع شهواته، وجحدنا سيرتنا الأولى ولبسنا الجديد الذي يتجدّد بحسب صورة خالقه «لأنَّ كُلَّكُمُ الّذينَ اعتَمَدتُمْ بالمَسيحِ قد لَبِستُمُ المَسيحَ» (غلاطية 3: 27). وإن كان الختان القديم علامة في الخارج فالمعمودية هي ختان القلب في الداخل، وإن كان الختان يجعل الإنسان محسوبًا من شعب إسرائيل وله الحق في أكل الفصح، فالمعمودية جعلتنا أعضاء جسد المسيح ولنا الحق في التناول من الذبيحة المقدسة، وإن كان بالختان يأخذ الإنسان اسمًا في جماعة الرب فإنه بالمعمودية صارت أسماؤنا مكتوبة في السماوات، وإن كان الكتبة والفريسيون ورؤساء الكهنة لمّا خانوا العهد وأسلموا نفوسهم للخطايا لم ينفعهم الختان وصارت قلوبهم وآذانهم غير مختونه... فماذا نحن عاملون؟ لقد أخذنا العهد الجديد بدم المسيح... واستنرنا بالمعمودية المقدسة وذقنا كلمة الله الصالحة والمواهب السماوية.
فإن كنّا بعد ذلك نجاري العالم ونسلك بحسب الطبيعة القديمة وشهوات الجسد وأساليب الناس في المكر والخبث ومحبة المال والكبرياء والنجاسات والبغضة... إلى آخر هذه الامور التي متنا عنها وجحدناها... فإننا نكون قد شابهنا أولئك الذين قيل عنهم "غير المختونين في القلوب والآذان".
لنحفظ يا إخوة عهد ختاننا.. عهد المعمودية، لنحفظ القلب مختونًا حساسًا لمحبة الله ومحبة القريب لأن البغضة تحرم الإنسان من الله، لنحفظ ثياب المعمودية بيضاء مغسولة بدم الذي فدانا، لنحفظ الحواس مكرّسة لله مختومة بختم الله الحي حتى متى ظهر في مجيئة الثاني نلاقية بوجه مكشوف ويكون لنا ثقة ولا نخجل منه