عرس قانا الجليل
القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة السيدة العذراء شيكاغو
11 يناير 2013 - 3 طوبه 1729 ش
تحتفل الكنيسة في ثالث أيّام عيد الغطاس بعيد تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، وهو من الأعياد السيِّدية الصُّغرى، إذ أنّه أول معجزة صنعها الرب يسوع وبدأ بها خدمته العلنيّة.. ولنأخُذ في هذا المقال بعض التأمُّلات في هذه المعجزة العجيبة..
+ كما بدأ الله قصّته مع الإنسان بعُرس مُفرِح في الفردوس، بعد أن أعدّ له كلّ شيء.. هكذا بدأ ربنا يسوع خدمته بحضور عُرس في مدينة قانا شمال الناصرة بالجليل، وهو بهذا يلفت النظر إلى طبيعة ملكوته السماوي ورسالته المُفرِحة، التي يودّ فيها أن يدخل مع الإنسان في شركة حياة زيجيّة سعيدة إلى الأبد..
+ بعد أن سقط الإنسان، وفقد الشّركة مع الله، وامتلأت حياته بالتعاسة.. جاء السيِّد محب البشر مُتجسِّدًا وحاملاً معه مفاتيح السّعادة للإنسان البائس.. جاء ليُنقِذ الإنسان من مأزق الفقر والعجز والعار، وهو ما عبّرَت عنه حادثة عُرس قانا الجليل بشكل رمزي بديع..!
+ في بداية العُرس كانت الأمور تسير على ما يُرام. ولكن فجأة فرغ الخمر، وهو مشروب الضيافة في تِلك المناسبات.. وهذا بدأ المأزَق الصعب، فافتقار العُرس إلى الخمر والعجز عن تقديم الضيافة وهو عار كبير على أهل العُرس أمام كل الناس.. هكذا الإنسان عندما سقط وانفصل عن الله افتقر إلى الفرح وعجز عن الحُب ولوّثته الخطيّة فصار في عارٍ عظيم..!
+ ولكن بحضور الرب يسوع في العُرس، أي بتجسُّده في وسطنا، أعاد إصلاح ما قد فسد وقلَب الموازين لصالحنا مرّة أخرى.. فإذا كان عن طريق السيِّدة العذراء قد تَدَخّل وخلق لهم خمرًا جديدةً، فإنّه أيضًا على المستوى الروحي اتحد بطبيعتنا التي أخذها من العذراء أم النور لنصير فيه خليقة جديدة «إنْ كانَ أحَدٌ في المَسيحِ فهو خَليقَةٌ جديدَةٌ: الأشياءُ العتيقَةُ قد مَضَتْ، هوذا الكُلُّ قد صارَ جديدًا» (كورنثوس الثانية 5: 17).. كما لا ننسى أنّ خَلْق الخمر الجديدة يحتاج لقدرات لا تتوفّر إلاّ في الله الخالق.. فهو الذي خلق الإنسان في البداية على صورته، ثمّ أتى في ملء الزمان ليعيد تصليح صورة الإنسان التي تشوَّهَت، بخِلقةٍ جديدةٍ فيه مرّة أخرى..!
+ السيّد المسيح بتجسُّده وفدائه عالج فقرنا ووهبنا الغِنى بنعمته «فإنَّكُمْ تعرِفونَ نِعمَةَ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ، أنَّهُ مِنْ أجلِكُمُ افتقَرَ وهو غَنيٌّ، لكَيْ تستَغنوا أنتُمْ بفَقرِهِ» (كورنثوس الثانية 8: 9).. كما شفى عجزنا فوهبنا من قدرته وسلطانه، ووضع إمكانياته الهائلة بين يدينا «الّذي لَمْ يُشفِقْ علَى ابنِهِ، بل بَذَلهُ لأجلِنا أجمَعينَ، كيفَ لا يَهَبُنا أيضًا معهُ كُلَّ شَيءٍ؟» (رومية 8: 32).. وأيضًا أزال عارنا فهو بالصليب أخذ عارنا ليهبنا مجده وبرّه «الّذي لَمْ يَعرِفْ خَطيَّةً، (جُعِلَ) خَطيَّةً لأجلِنا، لنَصيرَ نَحنُ برَّ اللهِ فيهِ» (كورنثوس الثانية 5: 21).
+ وكما أنّ الله أظهر لاهوته قديمًا عندما حوّل الماء إلى دم في أرض مصر. هو الآن يُظهِر سلطانه على المادّة، ليؤكِّد أنه هو نفسه إله العهد القديم الظاهر في الجسد.. «هذِهِ بدايَةُ الآياتِ فعَلها يَسوعُ في قانا الجليلِ، وأظهَرَ مَجدَهُ، فآمَنَ بهِ تلاميذُهُ» (يوحنا 2: 11).
+ لقد كانت الخمر الجديدة لها مذاق مختلف تمامًا.. فهي أكثر حلاوةً وأفضلُ جودةً.. هكذا مستوى تذوُّق الإنسان لله في العهد الجديد، بعمل الروح القدس خلال الكنيسة داخل النفس، أسمى بكثير من المستوى الروحي البدائي للإنسان في العهد القديم