1- مفهوم الحرية: الحرية الحقيقية في المسيحية هي: حرية النفس التي تحب الله بلا مانع.. والناس بلا قيود.. والتحرُّر من نير الخطية وقسوتها والاستعباد لها، ويقول الكتاب المقدس: «الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته» (كو1: 13)، «وأما الرب فهو الروح، وحيث روح الرب هناك حرية» (2كو3: 17)، «فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حرّرنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية» (غل5: 1).
2- الحرية والوصية الإلهية: هل الوصية تتعارض مع الحرية؟ الوصية في حقيقتها علامة من علامات حب الله المتدفق نحو الإنسان، ليس فقط في تقديم الفرصة لآدم للتعبير عن مشاعر الحب نحو من أحبه أولًا، أو تهيئة المجال الذي به يرتبط الإنسان بمصدر وجوده فلا يرتد إلى أصله مرة أخرى (التراب)، لكنها تحمل أيضًا في مدلولها حرية الإنسان وسيطرته على نفسه. والإنسان على مثال الله من جهة حرية الإرادة وسيطرته على نفسه، فعظمة الإنسان تكمن لا في مجرد سيطرته على الطيور في السماء وأسماك البحر وكنوز الأرض، بل بالأكثر في سلطانه على نفسه. يقول العلامة ترتليان عن الحب الإلهي والوصية والحرية: "كيف يمكن أن يكون للإنسان سلطان على نفسه وحرية إرادته ما لم توجد وصية له أن يطيعها أو يعصاها؟"، ويقول أيضًا: "الوصية بالنسبة للإنسان تحمل تكريمًا من الله إليه، فيها إعلان عن حرية الإنسان وقوته وقدرته، لأنه من استحق أن يوهب له وصية من قِبَل الله غير الإنسان؟! فلو لم يكن للإنسان قدرة على تنفيذ الوصية كما على كسرها ما كان الله قد أفرده بها". على نفس المثال عندما قدم لنا الرب وصايا نراها صعبة أو كما يظنها البعض خيالية، لم يقصد أن يعجّزنا في التنفيذ، إنما أراد أن يكشف للإنسان عن الإمكانية الفائقة التي في داخله. إنها تكريم لنا أننا بالمسيح قادرون على تنفيذ ما يبدوا صعبًا ومستحيلًا «روح السيد الرب عليَّ لأن الرب مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأعصب منكسري القلب، لأنادي للمسبين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق» (إش61: 1)، ويكمل العلّامة بقوله: "لقد مكّن الله الإنسان بالوصية، ككائن بشري له أن يفتخر أنه الوحيد الذي كان مستحقًا أن يتقبّل وصايا من قبل الله، بكونه كائنًا قادرًا على التعقل والمعرفة في حرية يضبط نفسه في هدوء برباطات الحرية العاقلة، خاضعًا لله الذي أخضع له كل شيء"..«لأن من أراد أن يحب الحياة ويري أيامًا صالحة فليكفف لسانه عن الشر وشفتيه عن أن تتكلما بالمكر» (1بط3: 10).
+ لأن يسوع المسيح أتى ليحررنا من عبودية الخطية ويعيدنا إلى الحرية التي فُطرنا عليها «إنكم أن تثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي.. وتعرفون الحق والحق يحرركم.... فإن حرركم الابن فالبحقيقة تكونون أحرارًا».(يو8: 31-32، 36).
+ كانت الوصية هي درع الأمان للإنسان لئلا بحريته يخسر هدفه من الحياة، يقول القديس أغسطينوس: "لا تسئ التصرف بحريتك فتخطئ بملء إرادتك، لن تنال بر الله إذا كنت لا تشتهيه، ولن تناله إلا إذا شئته".
+ لذلك وصية الرب لكل مؤمن يريد الحرية ويدعو لها أن ينكر ذاته «لأن من دُعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب، كذلك أيضًا الحر المدعو هو عبد المسيح» (1كو7: 22). «وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتى نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف» (رو7: 6).
3- الحرية والجهاد الروحي:
+ حياة السهر: يقول القديس الأنبا ويصا: "لأن الذين عندهم ممتلكات أرضية من ذهب وفضة يسهرون لئلا يسلب اللصوص أمتعتهم، فكم يليق بنا أن نسهر لئلا يسرق عدو الخير الذي جمعناه من صلواتنا وأصوامنا ومثابرتنا؟"
+ قبول الآخر والحرية: يقول القديس الأنبا ويصا:"من يحتقر قريبة يحتقر نفسه، ومن يدين أخاه أو قريبة يدين نفسه ويخطئ إلى ذاته وحده"، والقانون الذهبي للمعاملات يقول عنه الوحي الإلهي: «كل ما تريدوا أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضًا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء» (مت7: 12).