«لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ»
«لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ، لأنَّ أباكُمْ قد سُرَّ أنْ يُعطيَكُمُ الملكوتَ» (لوقا 12: 32).
أول عنصر في هذه الآية القطيع الصغير، أي القطيع القليل الذي ليس له مكانة أو ربما قيمة، أو ربما يكون منسيًا. والمسيح ربنا يعلمنا ويقول: «ها أنا أُرسِلُكُمْ مِثلَ حُملانٍ بَينَ ذِئابٍ» (لوقا 10: 3)، والحَمَل صغير جدًا، ووضعه في وسط الذئاب يكون منطقيًا فقط مع وجود الوعد «لا تخَفْ، أيُّها القَطيعُ الصَّغيرُ». ومن الأمثلة للقطيع الصغير هو داود وثقته في وعد الله. ومن الأمثلة أيضًا الأنبا أنطونيوس الذي بعدنا مكث 20 سنة في الوحدة وجدوه خارجًا فرحًا ومبتسمًا! ولما سألوه قال لهم: لأني كنت أعيش مع الله وأتمتع به.
أيّاك أن تشعر في يوم من الأيام أنك قطيع صغير، حتى ولو كان عددك محدودًا ووجودك محدودًأ لا تشعر بهذا، القطيع الصغير في يد الله قطيع قوي، والقوه هنا مصدرها وعد ربنا يسوع المسيح، والوعد يتجدد كل يوم: «وها أنا معكُمْ كُلَّ الأيّامِ إلَى انقِضاءِ الدَّهرِ» (متى 28: 20). هذا الكلام ليس على سبيل المجاز، فالله معنا بالحقيقة، يسكن فينا، ويعمل بنا.
ومن أمثلة القطيع الصغر انعقاد المجمع في نيقية بحضور آباء أساقفة وبطاركة من كل العالم، ومعهم البابا السكندري يحضر معه الشماس الخاص (القديس أثناسيوس). ما هو قدر شماس في وسط كل هذا المجمع الكبير؟ بالطبع قليل جدًا، وكان المجمع بخصوص بدعة آريوس، ونسمع في حيثيات هذا المجمع كيف انبرى هذا الشماس الصغير أثناسيوس يدافع عن الإيمان المستقيمـ ويصير فيما بعد هو البابا الـــعشرون، أحد أعظم الباباوات في كنيستنا القبطية، ومعظم قانون الإيمان الذي أقرّه هذا المجمع "النيقاوي" كتبها القديس أثناسيوس الرسولي وهو بعد صغير، كل هذا لأنه يعرف الوعد من الله. هذا الإحساس مهم جدًا أن يكون معك، أن لا تشعر أنك قليل أو صغير، والقصص في هذا المجال لا تنتهي.
ثانيًا الوعد الإلهي أنك لا تخف: فالخوف انفعال إنساني ممكن أن يصيب الإنسان بل ويتسبّب في موته! والخوف نوعان: الأول طبيعي والآخر مرضي، وهذا الوعد (لا تخف) تكرّر كثيرًا في الكتاب المقدس، مرّة يتكرّر بصيغة فردية ومرة بصيغة جماعية، ونسمع في سير كل الشهداء في تاريخ كنيستنا أنهم ليس عندهم خوف، ونسمع عن الشهداء بكل أنواعهم، مثل القديسة دميانه عندما سمعت خبر انحراف والدها عن الإيمان نسمع أن هذه الشهيدة تقف موقفًا قويًا وتقول لوالدها "إنه كان أفضل أن أسمع خبر انتقالك من أن اسمع انك تركت المسيح!"، فعلامة كل الشهداء في كل الأزمان هي "لا تخف". وأيضًا القديس مارمرقس الرسول الذي أتى إلى مصر، عندما نسأله ما هي إمكانياته؟ يجيب: "لا شيء!" وهو لا يخاف لأن معه وعدًا من المسيح.
العنصر الثالث هو الأبوة: فيقول: «لاتخف... لأن أباكم...»، فيوجد لنا أب، وكلمة "أب" من الكلمات الجميلة في اللغة العربية في معناها وفحواها، فالأبوة تعني الرعاية والحماية والعناية، ولقب الأبوة غير محدود، لذلك كنيستنا تجعل من يخدم في صفوف الإكليروس نسمّيه "أبونا" وبصيغة جماعية "أبونا"، وخليفة مارمرقس الرسول - أبونا البطريرك – نسمية البابا أي أب الآباء. والأبوة عطيه من عطايا الله مثل قصة الابن الضال، والحقيقة أن البطل في هذه القصة هو الأب.
الله يتعامل معنا من خلال ثلاثة قوانين مهمه جدًا، الأول: أنه محب لكل البشر، والثاني: أن الله صانع الخيرات، والثالث: أن الله ضابط الكل أي أنه يضبط كل صغيرة وكبيرة حتى في الخلية في أجسادنا وضبط حتى شعور رؤوسنا.
العنصر الرابع أبانا "قد سُرَّ"، يذكّرنا هذا ببشارة الملائكة للرعاة «المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ» (لوقا 2: 14). فيُعتَبَر تذكار شهيد أو نياحة قديس عيدًا في كنيستنا، وألحان الكنيسة كلها فيها نغمة فرح، وتزداد أكثر في العيد الأسبوعي الذي نحتفل فيه كل يوم أحد ونقول: "هذا هو اليوم الذي صنعه رب" الذي نفرح فيه. فالله يفرح بنا ويقدم روح الفرح في الانسان ويتهلل، مثل الوثنيين في القديم والذين كانوا دائمًا عابسي الوجه، وإذا رأى أحد الآخر يبتسم يقول له: أرأيت اليوم أحد المسيحين؟ حيث ينتقل الفرح من المسيحي إلى الآخر الوثني، فتقول الوصية: « اِفرَحوا في الرَّبِّ كُلَّ حينٍ، وأقولُ أيضًا: افرَحوا» (فيلبي 4: 4)، والله يعطينا هذا الفرح لأن الله قد سُرَّ، وهذه مسرته الأبوية.
العنصر الخامس «قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت»: ولهذا لابد أن يكون هناك محطّات لهذا الهدف لكي تُشحَن بالروح وتعيش مع الله:
الأولى المخدع في البيت: أي مكانك الخاص الذي تتقابل فيه مع المسيح، والمخدع هو روح الصلاة والتسبيح.
الثانية المنجلية: أي محل الإنجيل، فلابد من وجود الإنجيل في حياتنا.
الثالثة المذبح في الهيكل: حيث الأسرار وخاصة سر التوبة والاعتراف، وهو السر الذي ننقّي فيه قلبنا ونأخذ فيه الإرشاد، والسرّ الثاني هو التناول، فيقول الكاهن: "يُعطى عنّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه".