أريد أن أكلمكم اليوم عن عمل الله: لكي نتأمل معًا قول ربنا يسوع المسيح «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».
الله يعمل باستمرار، في كل وقت وكل حين. الله عندما استراح في اليوم السابع، إنما انتقل من عمل الخلق إلى عمل الرعاية والتدبير، قيل عنه إنه «لا ينعس ولا ينام».
يَعْمَلُ مَع الكل:
مع كل العناصر أيًّا كانت نوعيتها: مع توما الشكّاك، وبطرس المندفع، ويوحنا ابن الرعد، مع شمشون الجبار، ومع يعقوب الخائف..
لا تظن أن الله سيستغني عنك في يوم ما، أو يتجاهلك ويرفض العمل معك. فالله مستعد أن يعمل مع كل إنسان.
الله يعمل في إندراوس الصياد الجاهل، ويعمل في بولس الفيلسوف.
الله يستخدم الكل، حتى خطية الإنسان، قد ينتج الله منها خيرًا.
خيانة يهوذا استخدمها الله لقضية الخلاص، وكذلك جُبن بيلاطس، وحسد رؤساء الكهنة. أي شيء يقع في يد الله، يمكن أن يعمل به عملًا. فاطمئن، أن الله سيعمل بك..
إن عمل الله لا يتوقف على صلاحيتك أنت، بقدر ما يتوقف على قدرة الله. الذي يُخرِج من الجافي حلاوة..
من قال إن بطرس الذي خاف من جارية، وسب ولعن وقال لا أعرف الرجل، يصلح أن يقف أمام ولاة ورؤساء؟!..
من قال إن يعقوب الذي خدع أباه، أو إرميا الذي لا يعرف أن يتكلم لأنه ولد، أو موسى ثقيل الفم واللسان، يصلحون للقيادة وحمل رسالة الله؟!
صدق الكتاب: إن الله اخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ، وجُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ، وَاخْتَارَ أيضًا الْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ!
ضع إذًا نفسك في يد الله. وقل له: أعمل بي يا رب أي شيء. شغّلني في أي عمل، أنت أدرى بعملك..
صدقوني، لو كان الله يختار في عمله العناصر الصالحة فقط، ما كان أحدٌ منّا يصلح لشيء! فليس فينا أحد صالح!
الله في عمله يمكن أن يستخدم الدودة التي أكلت اليقطينة، ويستخدم اليقطينة، لكي يعظ بها النبي العظيم يونان!!
إن الدودة تستطيع أن تعمل عملًا في الملكوت، إن أسلمت نفسها ليد الله. أليس عجيبًا أن الله يستخدم حتى حمارة بلعام؟! الله مستعد أن يعمل في الضعيف وفي القوي. مستعد أن يستخدم الخمس خبزات ليشبع بها خمسة آلاف. «أَنَّ الْحَرْبَ لِلرَّبِّ، والله قادر أن يغلب بالكثير وبالقليل».
لذلك ليس من اللائق أن يعتذر أحد عن عمل الله بقلّة المواهب، لأن المسألة ليست موضوع إمكانيات وقدرات وبشرية!! فلو كنّا الذين سنعمل، لجاز أن يُقال هذا. لكنه عمل سيعمله الله، وليس نحن.
عندما أحضر جدعون ثلاثين ألفًا، يحارب بهم، رفض الله هذا العدد الكبير لئلا ينسب جدعون انتصاره إلى كثرة العدد. واختار الله 300 من هؤلاء، وانتصر بهم، وتمجد الله في القليل.
إذًا لا تعتذر بكونك قليلًا، ولا تهرب من خدمة الله.
لا تعتذر بقلّة قدرتك، فليست قدرتك التي ستعمل، بل الله.
إن داود لم يذهب إلى جليات بنفسه، وإنما قال الله «وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ». وبطرس قال في شفاء الأعرج «وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا، كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟».. إن الله هو الذي يعمل.
والله يعمل كل شيء. هو الطبيب شافي نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا. وهو المهندس الذي وضع قوانين الفَلك. وهو البنّاء لأنه «ِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ الْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ الْبَنَّاؤُونَ». وهو الحارس الذي يحرس المدينة. وهو المُعلم الصالح. وهو الزارع الذي خرج ليزرع. وهو الخادم جاء «لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
ونحن نمجد الله إذ نجده يدخل في كل عمل ويتمّمه بنفسه.
الله دَائم العَمل:
باستمرار، لا يتوقف عن العمل قط، حتى على الصليب، كان يَعِد اللص بالفردوس، ويعهد بمريم إلى يوحنا، ويُعطي يوحنا بركة مريم، ويشفع في صالبيه، ولم يقتصر على الفداء فقط.
حتى أثناء موته، ذهبت روحه متحدة بلاهوته، فأخرجت من الجحيم الراقدين على الرجاء، وأدخلتهم الفردوس، ومعهم اللص اليمين.
إن عمل الصليب لم ينتهِ بالفداء ولا بصعوده إلى السماء ولا بقوله على الصليب «قَدْ أُكْمِلَ»، فهو يعمل حتى الآن.
إنه يقول «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ»، «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ..»، إنه يُعطي مثالًا للعمل الدائم.
وهو في ذلك كله يُعطينا قدوة لنعمل باستمرار لأجل ملكوته.
إنه عندما خلق آدم، أعطاه عملًا في الفردوس لا ليقتات منه فالخير كان وفيرًا، وإنما لأجل بركة العمل وفائدته. إن الذي لا يعمل، إنما يترك نفسه للأفكار وللكسل والضياع..
الله يعمل في صَمت وفي اتضاع:
إنه يعمل في هدوء كامل، في صمت، وربما في اختفاء. وما أكثر ما نَسَبَ عمله إلى بعض أبنائه، ليتمجدوا به..
قد تطلب معونته، فيقدمها لك، عن طريق العذراء، أو الملاك ميخائيل أو مارجرجس، أو واحد من البشر الأحياء، ويختفي ويظهر أولاده. فعليك أن تحس يد الله في كل خير يصلك.
وقد تظن الله قد نسيك، أو أنه صامت لا يعمل، ويكون في عمق العمل من أجلك، دون أن تدري.
حتى أن داود النبي يعاتب الرب قائلًا «لِمَاذَا تَقِفُ بَعِيدًا؟ لِمَاذَا تَخْتَفِي فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ؟» (مز10: 1). ولم يكن الله مختفيًا لكنه يعمل في صمت. التلاميذ ظنوه نائمًا في السفينة، بينما الموج يعصف بهم، وعاتبوه قائلين «أَمَا تُبَالِي إِنَّنَا نهلك؟!».. ولأنه كان في ذات الوقت مهتمًا بهم، ولولا ذلك لغرقوا.. إنه يردّ بنفس عبارته «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يو5: 17).
مُحال أن يختفي الله في وقت الضيق، وإلّا كانت الضيقة تبتلعنا. ولكننا من مرارة أنفسنا نشكو. ولو كانت لنا عين الإيمان، لرأينا عمل الله واضحًا، ورأينا الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ.
إن الله ضابط للكل، لا ينعس ولا ينام.. لا تظنه بعيدًا عنك في مشاكلك. إنه يرقب كل شيء، ويعمل لأجلك.
تصوروا رجلًا مثل يونان. هاجت الأمواج حتى كادت تقلب السفينة، وأُلقَى يونان في البحر، وابتلع الحوت يونان، فهل كان الله صامتًا خلال ذلك كله؟! كلّا! ويصرخ يونان في جوف الحوت. ويقول له الله: لا تخف، أنا الذي أعددت الحوت ليبتلعك. كل شيء تم حسب خطتي. سيحملك الحوت سليمًا. ويوصلك معافىً إلى حيث أشاء..
لم يكن الله غافلًا عن يونان عندما ابتلعه الحوت، ولا عن دانيال عندما أُلقى في جُب الأسود، ولا عن الثلاثة فتية في آتون النار. كانت الضيقات تُحيط بهم، والله يعمل لخيرهم..
أحس دانيال بعمله، فقال في فرح «إِلهِي أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَسَدَّ أَفْوَاهَ الأُسُودِ». وأحس الفتية الثلاثة بعمله، إذ رأوه يتمشّى معهم في آتون النار، ولم يسمح للنار أن تكون لها قوة على أجسادهم، ولا على ملابسهم. فلم تسقط شعرة واحدة من رؤوسهم، ولا احترق خيط واحدة من نسيج ملابسهم.
هل كان أمام الفتية الثلاثة أن يشكّوا في تدخل الله وعمله؟
الملك يصدر أمره بسجود لآلهته، ويبدو أن الله ساكت، ثم يقبض على الثلاثة فتية، والله ساكت!! ويأمر الملك بإيقاد الآتون على أشدّه، والله ساكت! ويحملون الفتية إلى الآتون، والله ساكت! ثم يلقونهم في النار! ويبدو في كل ذلك أن الله ساكت! ولكن الله كان يعمل في صمت، وظهر عمله في الوقت المناسب.
إن الشيطان هو الذي يحاربنا، بادعائه أن الله لا يعمل! ولذلك قال داود «يَا رَبُّ، مَا أَكْثَرَ مُضَايِقِيَّ! كَثِيرُونَ قَائِمُونَ عَلَيَّ؟.. كَثِيرُونَ يَقُولُونَ لِنَفْسِي: لَيْسَ لَهُ خَلاَصٌ بِإِلهِهِ». ولكن هل حقًا لا خلاص؟! يتابع داود تأملاته فيقول «أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِي. مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي..» (مز3).
مهما طال الوقت، لابد أن يأتي الرب، ولو في الهزيع الرابع..
مهما هاجت الأمواج، سيأتي الرب ماشيًا على الماء، «يدوس كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه، هو يسكتها»..
إذًا اطمَئن:
اطمئن على عمل الله، وثق من كل أعماقك، أنه يعمل. قل كما قال داود «إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا، لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي» (مز22). «إن نَزَلَ عَلَيَّ جَيْشٌ لاَ يَخَافُ قَلْبِي. إِنْ قَامَتْ عَلَيَّ حَرْبٌ فَفِي ذلِكَ أَنَا مُطْمَئِنٌّ» (مز27). إن الإيمان يولّد الاطمئنان.
جميل أن نثق بعمل الله، فنطمئن إلى رعايته وحمايته وتدبيره. وفي كل أمورنا، نتذكر أن الله يعمل "فنستريح ونفرح".
إن عبارة «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ» لا شك عبارة معزية.
إن الآب يعمل، والابن أيضًا يعمل، والروح القدس يعمل معنا، وندخل معه في شركة الروح.. الثالوث كله يعمل معنا، وكل قوات السماء، وأرواح القديسين، وسفراء المسيح على الأرض..
أليست ملائكة الله حالّة حول خائفيه وتنجيهم «أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ!» (عب1).
إنها عبارة معزية «الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون»..
غير أن الله يعمل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.
إنه يعمل بحكمة، وتؤدة، ويمهّد لكل شيء، ويرتب، فلا تقلق. بل انتظر الرب. انتظره وأنت واثق.. قل إن هذا الموضوع سيحله الرب. سيتمجد فيه الله. أنا واثق.
نَعمَل معَه:
وفي ثقتك بعمل الرب، أعمل معه.. قل أنت أيضًا «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أيضًا أَعْمَلُ». لا تكسل.
الله يعمل فينا، ويعمل معنا، ويعمل بنا. ونحن آلات في يديه.
قل له: سأعمل معك يا رب، ولكن لا أخفي عليك ضعفي. أنا لا أملك سوى خمس حصوات ملساء من الوادي، ولا سلاح لي غيرها أحارب به جليات. وثق أن الله سيقول لك: هذه الحصوات الخمس كثيرة جدًا، سأجعلك تنتصر بواحدة منها. واحتفظ بالأربع الباقيات تذكارًا..
وستقول للرب اغفر ضعف إيماني، إذ أحضرت خمس حصوات. لقد علمتني بالخبرة أن واحدة تكفي، لأن أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ.