الآلام كــرازة
كما ذكرنا سابقًا فإن الشهادة للمسيح ضرورة إنجيلية، ونحن ندرك أن الشهادة للمسيح يمكن أن تكون بالكلمة والقدوة والخدمة، وكذلك بالآلام على اختلاف أشكالها.
بقدر ما نواجه من آلام كثيرة في هذه الأيام سواء اعتداء على الكنيسة وأبنائها والوطن وهدم وحرق الكنائس والمؤسسات وما يتبعها من عنف ودماء، وبقدر ما نراها ونعيشها ونتألم بسببها، إلاّ أننا ندرك أنها تؤول لمـــجد الرب، هــي شــهادة للرب في جيلينا المعاصر.
نحن نتعزّى ونفرح أن يتم الوعد « طوبَى لكُمْ إذا عَيَّروكُمْ وطَرَدوكُمْ وقالوا علَيكُمْ كُلَّ كلِمَةٍ شِرّيرَةٍ، مِنْ أجلي، كاذِبينَ. اِفرَحوا وتهَلَّلوا، لأنَّ أجرَكُمْ عظيمٌ في السماواتِ» (متى 5: 11، 12).
لاشك أن هذه الآيات بأنواعها أكّدت صدق الإيمان المسيحي، وكما قال أباطرة سابقون: "لو لم يكن إيمان هؤلاء المسيحيين إيمانًا حقيقيًا لما احتملوا من أجله كل هذه الآلام!"، لذلك آمنت ألكسندرا زوجة دقلديانوس. إنه رد فوري علي موجة التشكيك التي يستخدمها أهل هذا الزمان. لاشك أن هذه الآلام يعدها الرب لكيما يكون لنا فيها روح الغلبة «وهُم غَلَبوهُ بدَمِ الخَروفِ وبكلِمَةِ شَهادَتِهِمْ، ولَمْ يُحِبّوا حَياتَهُمْ حتَّى الموتِ» (رؤيا 12: 11).
إن هذه الآلام هي سرّ القوة في حياة الكنيسة، لقد أعطتنا جميعًا روح الشركة في الصلاة والمشاركة في الألم لأننا أعضاء جسد الكنيسة الواحدة المقدسة التي تصلي من أجل بعضها البعض. لقد أُعطِيت لنا قوة أعظم، لقد تحولت النيران إلى قلوب ملتهبه بالقدّاسات والصلوات، بمحبة الرب وكنيسته، وظهرت في تمسّك أولاد الله بايمانهم.
إن الهدم والحرق جعل البنيان الروحي الداخلي يقوى يومًا بعد يوم، وجعلنا ننظر إلى المجازاة الحقيقية «لأنَّ خِفَّةَ ضيقَتِنا الوقتيَّةَ تُنشِئُ لنا أكثَرَ فأكثَرَ ثِقَلَ مَجدٍ أبديًّا» (كورنثوس الثانية 4: 17)، إن هذا جعلنا ندرك أنه مهما زادت الآلام إلاّ أن كنيسة المسيح بُنِيت على الصخرة الذي هو المسيح لذلك «أبوابُ الجَحيمِ لن تقوَى علَيها» (متى 16: 18)، إننا نؤمن أن «مِنَ الآكِلِ خرجَ أُكلٌ، ومِنَ الجافي خرجَتْ حَلاوَةٌ» (قضاة 14: 14).
وإننا ندرك حقيقة اختبار نبوة إشعياء عن الكنيسة «لُحَيظَةً ترَكتُكِ، وبمَراحِمَ عظيمَةٍ سأجمَعُكِ» (إشعياء 54: 7)، ونحن نؤكد أن مراحم الرب عظيمة وسوف نتمتع بها. لقد ظهرت بوادر مراحم الرب عندما سقطت الأقنعه، وعُرِف الإرهاب وأصوله، وأقام الرب من يخلص ويشهد للرب، ومع إيماننا الشديد بالفرح بالألم وأنه وسيلة كرازتنا في هذا الجيل إلا أننا نحزن من أجل وطننا الحبيب مصر الذي منه دُعِي الرب يسوع، والذي أتي يسوع إليه لأنه وطن سلام، ونحزن لأجل سلامه المنزوع ودمائه التي تُسفَك وتراثه الذي يُهدَم وكنائسه التي تُحرَق، وبعد أن كانت مصر مهد الحضارة وحصن سلام ومنارة إيمان وبيوت تسبيح، تحول كثير منها إلى صراخ ودموع وعنف ودماء. لذلك ونحن في قمّة الألم نقول «أنا يَسوعُ الّذي أنتَ تضطَهِدُهُ. صَعبٌ علَيكَ أن ترفُسَ مَناخِسَ» (أعمال 9: 5). نحن نريد سلامًا «ومع مبغضي السلام كنتُ صاحب سلام» (مزمور 120(119): 7-قبطي).
لذلك ندرك أن في وسط هذه جميعها «الفَخُّ انكَسَرَ، ونَحنُ انفَلَتنا» (مزمور 124: 7)، وسوف يعلن الرب مجده في كل يوم بقوة أعظم. فقط انتظر الرب فهو قريب، مدركين إن كل آلة صُوِّرت ضدكِ (كنيستي) لن تنجح، ومن يمسّكم يمسّ حدقة عينه، فهو لا ينعس ولا ينام.