في حب مصر
أثار موقف الأقباط في الأحداث الأخيرة التي تمر بها بلادنا الغالية إعجاب الجميع؛ فقد تخلّوا تمامًا عن ذاتيتهم وذابوا في حب الوطن، لم يكترثوا لحرق كنائسهم وبيوتهم وهدمها ونهبها بقدر ما كانوا مُنشغلين على مستقبل البلد وأمنه وسلامه، وأدركوا بحس عالٍ جدًا ودون توجيه من أحد أن المصلحة العليا للبلاد أهم بكثير جدًا من مطالب فئوية محدودة.
لم يصرخ أحد متألمًا، ولم يهتف واحد ضد البلد، ولم يطالب إنسان بالتدخل الأجنبي لحماية الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم؛ بالرغم من وضوح الصورة أن الأقباط مستهدفون للإذلال والتحطيم المعنوي والعقوبة الجماعية واستنزاف الطاقة الاقتصادية لهم.
عالمين أن المُصاب لم يطالهم وحدهم، بل طال شعبًا بأكمله وبلدًا عريقًا، كاد يُباع بلا ثمن ويفقد هويته وأراضيه بلا سبب.. إلاَّ طموحات استعمارية غربية استخدم فيها الغرب كل الوسائل غير المشروعة لإنكار ثورة عظيمة لشعب حر له كل الحق أن يعبِّر عن أمانيه في حياة حرة كريمة، وله كل الحق في أن يختار قياداته وأن يسحب الثقة منهم في أي وقت كما هو الحال في دولهم.
وهذا الموقف الوطني الشجاع ليس بجديد على الأقباط ؛ فالتاريخ يشهد بوطنية الكنيسة القبطية بمصر.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن الكنيسة المصرية هي أقدم مؤسسة مصرية على الإطلاق؛ فالكنيسة قائمة بنفس أنظمتها وترتيبها وإيبارشياتها وأديرتها وكنائسها والترتيب الخدمي (الوظيفي) فيها منذ القرن الأول الميلادي.
وقد حاول المستعمر استمالة الكنيسة إليه على مدى التاريخ وفشل تمامًا؛ ولذلك فعندما أراد الغربيون التحكم في مصير المنطقة دون مراعاة مطالب سكانها وأهاليها، لم تكن الكنيسة المصرية على خريطة ترتيباتهم، لأنهم يدركون تمامًا أنها لم ولن تتنازل عن وطنيتها.
وليتذكر الجميع كيف رفض البابا بطرس الجاولي حماية قيصر روسيا للأقباط، وكيف رفض كلاً من قداسة البابا شنوده وقداسة البابا تواضروس مقابلة وفود الأجانب للتعرف على المشكلة القبطية؛ لأننا ندرك منذ البداية أن مشاكلنا تُحل في بلدنا ومع مواطنينا المصريين ومع أجهزة دولتنا مهما كانت اتجاهات هذه الأجهزة معنا أو ضدنا؛ فنحن لا يمكن أن نفقد وطنيتنا حتى لو فقدها الحكام.
إن الأقباط مصريون إلى النخاع: الاسم (أقباط) يعني (مصريين)، واللغة التي نُصلي بها هي اللغة القبطية، وهي امتداد اللغة المصرية القديمة (لغة الفراعنة والتي كانت تُكتب بالحروف الهيروغليفية والديموطيقية)، واللحن المصري والفن المصري والأيقونة المصرية تزين كنائسنا المصرية حتى في بلاد المهجر.
وإيماننا العميق أن هذا البلد باركه الرب يسوع بمجيئه إليه، وجولانه في أراضيه من الشرق إلى الغرب ومن بحري إلى الجنوب. حقًا «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ» (إشعياء 19: 25).