اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
الكرازة السنة السابعة والأربعون19 أبريل 2019 - 11 برمودة 1735 ش     العدد كـــ PDFالعدد 15-16

اخر عدد

فكانت ظلمة على الأرض

القس إبراهيم القمص عازر

19 أبريل 2019 - 11 برمودة 1735 ش

في نحو الساعة الثانية عشر ظهرًا (السادسة بالتوقيت العبري)، وبينما كانت الجموع تراقب مشهد الصلب، والمخلص مُعلَّق على الصليب والدماء تنزف منه بغزارة.. بغتة حدث شيء عجيب، إذ بالشمس تحجب نورها، وصارت ظلمة، من الساعة السادسة حتى التاسعة. وفي الحقيقة فان هذه الظلمة، لم تكن حدثًا طبيعيًا أو كسوفًا كُليًا، لقد كانت المناسبة عيد الفصح الذي يوافق دائمًا بدر التمام، أي عندما يكون القمر بدرًا. ولكنها حدث معجزي بامتياز، بإشارات ورموز واضحة في الكتاب المقدس.

لقد كان أول ذكر للظلام في سفر التكوين، عندما بدأت الخليقة الأولى، لقد كان «على وجه الغمر ظلمة»، ولكن كان هناك روح الله الذي يحتضن (يرفّ) الخليقة فيشرق عليها بنوره وبهائه. وعندما قال الله: «ليكن نور»، أشرق النور، وبدأت الحياة. وآخر ذكر للظلام سيكون في سفر الرؤيا «الظلام لا يوجد فيما بعد»، فبعد سلسلة من الصراع الدائر بين النور والظلمة، يأتي الرب يسوع في مجيئة الثاني، ليعلن ملكه، ويحتضن خليقته الجديدة، يشرق بنوره، ويعكس بهاءه عليها، حيث السماء الجديدة والارض الجديدة «.. لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها» (رؤ21: 23).

وما بين سفر التكوين وسفر الرؤيا، يأتي صلب المسيح وقيامته كحدث مركزي، يتوسط الكتاب المقدس. حيث تجتمع الظلمة والنور معًا في حدث واحد. لقد حانت ساعة الظلمة، وجاء الظلام ليسود ويقود، حيث يُعلَّق الإله المتجسد "النور الحقيقي" على الصليب، بيد الإنسان وبغواية الشيطان. المخلوق يعلّق خالقه، يسمّر اليد التي صنعته، ويقيّد الرجلين التي ستعتقه، ويطعن القلب الذي أحبه واحتضنه! باراباس حُرّ طليق، ويسوع المسيح مُعلّق بين لصّين.. هيرودس على العرش، وملك الملوك على خشبه الصليب.. حنّان وقيافا وكهنته يجلسون في الهيكل، ورئيس الكهنة يدخل قدس الأقداس ليقدم نفسه كذبيحة وقربان بلا عيب.. الإنسان يقيّد الإله، يجلده، يصفعه، ويقتاده بقسوة للصلب، ينزع عنه ثيابه، ويكلّله بالشوك، ويطعنه بالظلم والشر والخيانة.. يهوذا خائن، وبطرس ناكر، ويعقوب هارب، والبقية متشكِّكون ويائسون. جنود يسخرون، وحشود يصيحون، والبعض يبكون... إنها حقًا ساعه الظلمة. ولكن يبدو أن الطبيعة استحت من خالقها، وتأبى أن تشارك الإنسان فعلته. فإذ بالشمس تتوارى خجلًا، وترفض أن ترسل نورها وتشرق بأشعتها. والأرض تهتز ارتعادًا واندهاشًا. "فلولا أن المصلوبَ معنا إلهٌ متجسد، ما كانت الشمس أخفت شعاعها ولا الأرض ماجت مرتعدة".

ولكن إلى متى؟ حتى متى يسود الظلام ويتوارى النور؟

الضربة التاسعة من الضربات العشر، كانت ضربة الظلام على كل أرض مصر، وكانت لمدة ثلاثة أيام فقط. وبعدها جاءت الضربة العاشرة وتم ذبح الخروف، وبعلامة الدم تم إنقاذ الشعب، وعبروا من الظلمة إلى النور، حيث أضاء لهم الله مثل عمود نار في البرية. وفي فجر اليوم الثالث ذهبت مريم المجدلية مسرعة والظلام باقٍ، ولم تكن تعلم أنه لم يعد هناك ظلام. لقد انهزم الظلام في عقر داره، فأشرق النور اولًا على الذين في ظلام الجحيم، إذ ذهب فكرز للأرواح التي في السجن «الشعب الجالس في ظلمة، أبصر نورًا عظيمًا (سبت النور)». وها هو الآن يشرق بنور قيامته على الخليقة كلها، ليعلن بداية الخليقة الجديدة، أبناء النور والنهار. ولذلك في خلقتنا الجديدة، ننعم بالنور الإلهي، نور قيامته، فنصير نور للعالم. لذلك نطلق على سر المعمودية "سر الاستنارة"، حيث تنفتح عيوننا الداخلية «مستنيرة هي عيون أذهانكم». ونبدأ مسيرتنا وسيرتنا النورانية، حينما ندرك «رَجَاءُ دَعْوَتِهِ» (أبناء لله الآب)، «وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ» (ورثة مع المسيح)، «وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نحونا» (ختم الروح القدس).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx