نماذج رهبانية معاصرة
25 يناير 2013 - 17 طوبه 1729 ش
الأب عبد المسيح الحبشي
اكتسب شهرة واسعة في الأوساط القبطية في القرن الماضي، جاء من الحبشة سيرًا على الأقدام عشقًا في رهبنة الأقباط، اختار الوحدة في مغارة حفرها بنفسه ولم يجعل لها أبوابًا أو منافذ، واتخذ النُسك والزهد منهجًا، اكتفى بخبزات قليلة يحصل عليها كل سبت مع قليل من البقول. اتّصل به كثير من الرهبان والعلمانيين وتعلّقوا به، وصادقه أعراب المنطقة وخدموه طوال حياته. عاصر خمسة من البطاركة وكان صديقًا للمتنيح البابا شنوده. عُرِف عنه توبيخ المترفّهين بغضّ النظر عن رُتَبهم، وانتقد بشدة تقلُّد الرهبان الرُتَب الكنسية، وجمع بين الشجاعة والوداعة. وبعد أربعين سنة في الإسقيط استأذن في السفر إلى القدس ليتنيح هناك كعادة رهبان الأحباش، وهناك تنيح في 1978م، ولا يُعرَف قبره حتى اليوم. كُتِبت فيه عدّة كتب ومقالات، وسَجّل عنه بعض الأجانب إعجابهم. صلاته فلتكن معنا آمين
الأب أندراوس الصموئيلي
أحد رهبان الجيل السابق، ترهّب في الثانية عشرة من عمره وتنيح في حوالي المئة، وُلِد بمركز الفشن، ودُعِي يوسف خليل، كان كفيف البصر ولكن الله منحه بصيرة روحية وبساطة ووداعة، كان وجوده في الدير بركة وتعزية للآباء، كان مثالاً في احتمال المشقّات، وتعرّض لتجارب عديدة في حياته، فقد عاش بمفرده لعدّة شهور في الدير في ظروف قاسية، اهتمّت به خلالها إحدى "القطط" بالدير! حباه الله صوتًا رخيمًا معزيًا، وأتقن ألحان ومدائح الكنيسة. تقابل مع عدد من السواح، وتكلم مرات مع السيدة العذراء والأنبا صموئيل قديس الدير، غلبت عليه صفات الطفولة والبراءة، وربطت بينه وبين المتنيح البابا شنوده محبة كبيرة. قضى سنواته الأخيرة بين دير مارمينا وإحدى مستشفيات الأسكندرية، تنيح يوم 7 فبراير 1989م، وروى أحد الآباء في الدير أنه بعد نياحته بعدة أشهر شاهده أثناء القداس بملابسه البيضاء. بركة صلواته فلتكن معنا آمين.
الأب متاؤوس السرياني
هو أحد مشاهير رهبان هذا الجيل، تميز بحبه الشديد للرهبنة والآباء وعشقه للبرّية، حظي بتقدير كل من التصق به ومن تلاقى معه من الآباء البطاركة والمطارنة والأساقفة، وكان يُعتَبَر الأب الروحي للدير، كما كان أب اعتراف لأكثر من نصف رهبان الدير. ومع كونه ضليعًا في الكتب المقدسة إلّا أنه كان قليل الكلام، ولكن الله أعطاه نعمة أن يجد كل مُتعَب راحة وعزاءً في الحديث معه، ولعل أكثر ما كان يميزه هو الاعتدال في الأقوال وفي السلوك، وانتهاجه منهج "الطريق الوسطى"، وهو يذكّرنا بالأب برصنوفيوس. قصده العديد من الآباء الأساقفة ورهبان الأديرة الأخرى. وعندما ثقل عليه المرض وفقد بصره أظهر شكرًا أكثر في حياته وكلماته، عاش في الحياة النسكية ستين عامًا (1927-2008م) وله أقوال كثيرة مأثورة، وعند نياحته صرّح نيافة الأنبا متاؤوس أن الدير والرهبنة فقدت أحد آباء الرهبنة العظام، ولكن الكنيسة كسبت في المقابل شفيعًا وسفيرًا. بركة صلاته فلتكن معنا آمين.
الراهب القس صليب الصموئيلي
من أشهر رهبان دير الانبا صموئيل المعترف، وكان أميًّا بسيطًا يعمل خادمًا لدى أسرة مسيحية تقية، تأثّر بمحبتهم ومعاملتهم، فقرر أن يعتمد بل ويترهّب! نال سرّ المعمودية بالمنيا على يد القمص سدراك فى سنة 1937م، وترهّب بدير الأنبا صموئيل على يد القمص مينا البراموسي المتوحد (البابا كيرلس السادس) في 1945م. كان ناسكًا وزاهدًا جدًا، وكان يرتدي شتاءً وصيفًا ثوبًا واحدًا متهالكًا ذا أكمام قصيرة فقط، ممّا كان يلبسه الأقدمون من الرهبان وقت العمل ويُسمّى "قصّارية"، كما كان يربط وسطه بحبل من الليف من فوق الثياب. عمل كثيرًا بأعمال شاقّة بالدير، وقد اعتاد لاحقًا أن يجمع ما يتبقّى من أكل الرهبان سواء كِسَر الخبز أو بواقي البقول ليكون طعامًا له، وذات مرة رآه راهب يلتقط كسرة خبز من الأرض فلما عاتبه أجابه: "بل أعاتبك لأنك ألقيت ما يصلح للأكل"؛ كما أحب الكتاب المقدس حبًا جمًّا لا سيما العهد القديم، وكان يطلب من كل عابر أن يقرأ له فصولاً من الكتاب، وكان يفسِّر لهم ما يقرأون، واعتاد في الكنيسة أن يصحِّح لمن يقرأ متى أخطأ النُطق أو التشكيل، وكان صبورًا احتمل أتعابًا كثيرة نظرًا لشظف الحياة في الدير لسنين طويلة، واعتاد الرهبان أن يروه نائمًا فوق الرمال في الصحراء وبجوار سور الدير، وتعرّض لخطر الموت مرارًا بسبب لدغات العقارب والثعابين، وكان يعاتب الرهبان كثيرًا على النعمة التي لا يشعرون بها ويردّد أمامهم دائمًا: "لقد كنتُ أمميًا والرب قبلني". إنه راهب من جيل الرهبان الأشدّاء الحقيقيين، وتنيّح يوم 21/11/1981م. وقيل أن الأب أندراوس الصموئيلي رأى الأب صليب في رؤيا وأعلمه بأنه ينعم بالراحة والسعادة، بركة صلاته فلتكن معنا. آمين.