في صوم آبائنا الرسل القديسين نتذكر فضائلهم، فنجاهد لكي نقتني هذه الفضائل التي سنتحدث عنها:
ونبدأ بتعريف الفضيلة: هي ثمرة حياة الإنسان مع الله، وتبدأ بفكرة يقتنع بها الإنسان فيصلي لأجل اقتنائها، فتتحول إلى اشتياق قلبي، مما يجعل الإنسان يجاهد كثيرًا لكي يقتنيها بمساعدة النعمة الإلهية بعمل روح الله القدوس. فالفضائل هي ثمار لعمل الروح القدس في النفس البشرية، وكل الفضائل كثمار للروح القدس، تلتقي جميعًا في مجرى واحد يحقق هدفًا ساميًا لحياة البشر وتكاملًا للفضيلة. ومن أقوال المتنيح البابا شنودة الثالث: "كل فضيلة جديدة تقتنيها فتُضيِّع فضيلة أخرى موجودة أرفضها، وأطلب من الله أن يكشف لك حيلة عدو الخير الذي لا يريد أن نقتني فضيلة جديدة بل أن تضيع الفضيلة الموجودة عندك".
وتوجد ثلاثة أنواع من الفضائل:
1- فضائل بين النفس البشرية والله مثل: الإيمان القلبي، وهو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى، وهذا الإيمان يُنشئ رجاءً في القلب نحو الله، فلا ييأس الإنسان مطلقًا مهما كانت الصعاب. ومن خلالها تأتي فضيلة المحبة من الله، التي معها تتلذّذ النفس بالعشرة المقدسة مع الله والناس أيضًا. وبالمحبة الإلهية تكثر فضيلة الصلاة. ومع الصمت والتأمل تتكامل فتُعطي حياة التسليم لقيادة الروح القدس في طريق الحياة الأبدية، مما يُثبّت النفس في العشق الإلهي.
2- فضائل بين النفس والناس: مثل الاتضاع والوداعة، مما يجعل الصبر والاحتمال مسلكًا طبيعيًا، ومعه يتولّد طول الروح في معاملة الجميع وكسبهم للشهادة للحق الإلهي، بخدمة أمينة خالية من الإدانة والبعد عن الحكم على الناس، وهكذا نبتعد عن متابعة أخطاء الآخرين وبالتالي اقتناء المغفرة، مما يولّد سلامًا حقيقيًا. والمزمور يقول: «ومع مبغضي السلام كنتُ صاحب سلام»، وبالتالي الرحمة القلبية مع العدل الحقيقي دون ظلم أحد. وتتكامل هذه الفضائل لنشر الإخاء والتسامح.
3- فضائل بين الإنسان ونفسه: مثل الأمانة، حيث تمتد إلى ممارسته الروحية أو عمله بين الناس، أو حتى جهاده الشخصي لاقتناء الفضائل وتقديم ما يجب عليه نحو شركائه في الحياة. ومع الأمانة نقتني كنز الصلاح في القلب، فالإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات والعكس صحيح. ومع الصلاح نجد التعُّفف والفرح القلبي الداخلي والتوبة الحقيقية كنتيجة لمحاسبة النفس بجدية وبقوة لا تهاون فيها لكي نخلص.
ولكن يأتي السؤال: كيف نقتني الفضيلة؟
ويجيب أحد الآباء بضرورة رفض الرذيلة التي هي عكس الفضيلة، فيقتني الاتضاع مَنْ يرفض الكبرياء، ويقتني العفّة مَنْ يكره النجاسة، ويقتني الزهد مَنْ يرفض حب القنية، وينال الوداعة مَنْ يبتعد عن الغضب... ويؤكد الآباء على ضرورة الاجتهاد لاقتناء خمس فضائل مهمة لخلاصنا (العفة، الصمت، الزهد، إكرام كل أحد حتى مَنْ هم أقل، وأخيرًا الهدف المستقيم الذي ننشده في حياتنا، مع حب التعب لأجل ملكوت السماوات ولنحذر جيدًا من السبح الباطل لئلا تتكبر النفس فتسقط.