الأبوة الروحية في الرهبنة
الأنبا سارافيم – أسقف الإسماعيلية
25 يناير 2013 - 17 طوبه 1729 ش
الرهبنة المصرية هي أول رهبنة في العالم تستخدم لقب "أبــَّا"، ورد أقدم استعمال لهذا اللقب بمعنى رهباني في بردية يونانية وُجِدت في مصر ترجع إلى حوالي عام 330-340م، أي إلى بدايات زمن الرهبنة المصرية.
يُطلَق هذا اللقب على الراهب الذي يتولى الأبوة الروحية، والذي يُمنح موهبة خاصة لقيادة النفوس. وهذا اللقب لا يرتبط ضرورة بالسن. فلقد تعجّب الأب يوسف مرة عند ما سمع الأب بيمن يدعو الشاب أغاثون "أبــَّا"، وسأله: "هو ما يزال شابًا فكيف تدعوه ’أبــَّا‘؟" أجاب الأب بيمن: "إن فمه (أي كلامه وحكمته) يجعل الإنسان يدعوه ’أبــَّا‘". كان الراهب المبتدﺉ يُسمّى "أخًا"، و"أبــَّا" هو الشيخ المتقدِّم في حكمة البرّية، والذي نال موهبة الاستنارة لإرشاد الآخرين، أي لإعطائهم "كلمة منفعة".
"الأبــَّا" هو الراهب المختبِر، الذي نال الحكمة المتولِّدة من الخبرة وليس فقط من قراءة الكتب. "الأبــَّا" هو من جاهد ضد أهوائه الشخصية وضد هجمات إبليس الشرسة، وسمح لقوة النعمة الإلهية أن تنتصر فيه، ووصل إلى معرفة نفسه، واقتنى الاتضاع. "الأبــَّا" هو من يلد بنينًا على صورته، هو إنسان يحمل الروح القدس داخله، ويوصِّل هذا الروح للآخرين. كان "الأبــَّا" يعلّم بالأكثر بالقدوة الذاتية وليس فقط بالتعليم والإرشاد الشفوي. كانت كلماته مختصرة وعميقة وخارقة لنفس الابن، تحمل قوة الروح القدس. كذلك كان على "الأبــَّا" أن يحافظ على تقليد الآباء الشيوخ السابقين والذين تتلمذ عليهم، وأن يسلم ابنه هذه الخبرة المقدسة والتي تعتمد على روح ووصايا الكتاب المقدس. يصير الشيخ أبًا روحيًا من خلال علاقة شخصية جدًا مع كل واحد من تلاميذه. وكان التلميذ "يكشف أفكاره" لأبيه الروحي". والأب الروحي يعطي الإجابة والإرشاد المناسب لهذا التلميذ بالذات في هذا الظرف بالذات. وهذا ما يسمى بفضيلة "الإفراز" أو "التمييز" وبروح "الاستنارة".
كانت الفضيلة الأساسية التي تميز "الأبــَّا" هي "المحبة". وكان هدفه الرئيسي هو خلاص نفسه وخلاص أنفس أولاده الروحيين. قيل للقديس باخوميوس في الرؤيا: "أن يخدم الناس ويصالحهم مع الله". كان "الأبــَّا"يشعر أنه مجرد وسيط بين الراهب والله.
ومن مميزات "الأبــَّا" أيضًا أن يحمل مسئولية أولاده روحيًّا، وأن يعلّمهم الجهاد والرجاء وأسرار الحرب الروحية وطرق الفوز فيها. كان "الأبــَّا" يتميز بطول الأناة والشفقة على المجاهدين. لذلك كان الشيوخ يُجبَرون على القيام بهذا الدور الخطير، ولا يسعون إليه من أنفسهم. كانت أبوة الله لجميع أولاده.