أريد أن أكلمكم في هذه الليلة المباركة عن صفات الله. أجرب معكم المحاضرات اللاهوتية – ولو بأسلوب مبسط – وكيف تتقبلونها.
صفات الله على نوعين: منها صفات ذاتية خاصة بالله وحده، لا يتصف بها أحد سواه. وصفات أخرى يمكن أن يشترك فيها الإنسان، ولكن بقدر ضئيل. فمثلًا نقول إن الله رحيم، ويوجد من البشر من هو رحيم. ولكن هناك فرقًا واسعًا جدًا بين رحمة الله ورحمة الإنسان. فما هي صفات الله الذاتية؟
صفات الله الذاتية
الخالق: الله هو وحده الخالق، ولا يوجد خالق سوى الله. والله يخلق، أي يوجد من لا شيء. وهكذا خلق الكون وخلق الإنسان، وخلق الحياة. كل ذلك من لا شيء. وقد خلق بأمره، بكلمته، أو بمجرد مشيئته. قال "ليكن نور" فكان نور. أو شاء أن يوجد شيء، فوُجد، حتي بدون أمر..
وفي الخلق، نرى أن الله قد خلق أنواعًا من المخلوقات: خلق الجمادات كالجبال والهضاب والأرض. وخلق جمادات متحركة مثل الكواكب والأفلاك التي لحركتها قانون خاص وضعه الله. وخلق كائنات ذات حياة كالأشجار فهي تنمو وتُعطي ثمرًا أو زهرًا.. وخلق الحيوانات والطيور: لها حياة، ولها صوت ليس للأشجار، وتتوالد.. وخلق الملائكة وهي أرواح، كما قيل في المزمور «الذي خلق ملائكته أرواحًا، وخدامه نارًا تلتهب» (مز104: 4). وخلق الإنسان: له جسد ونفس وروح.
وحتى الكائنات الحية التي خلقها الله هي على أنواع أيضًا من جهة رقي وتعدد أجهزتها. فالنملة مثلًا كائن حي. ولكن ليست لها أجهزة متعددة كالحيوانات. والكائنات الحية فيها ما يتوالد عن طريق البيض، وفيها الثدييات التي تُرضع. وفيها ما لا يتوالد مثل الملائكة...
هنا ونقول إنه في كل ما وصل إليه الإنسان من علم واختراع وذكاء، كان الإنسان في كل ذلك صانعًا وليس خالقًا.. وفي كل ما وصل إليه من الاستنساخ، وبنوك البويضات المخصبة، والفاكس والموبايل فون، وغير ذلك، كان مجرد صانعًا، من مواد خلقها الله، وبعقل خلقه الله، ولم يخلق الإنسان من ذاته شيئًا!! ولم يصنع شيئًا من لا شيء.. أما ما يصنعه الشعراء والأدباء وأصحاب الخيال من أن للإنسان عقلًا خلاقًا Creative، فهذا نوع من المجاز يقصدون به أنه يصنع شيئًا جديدًا، وليس المعنى الدقيق لكلمة (يخلق)...
صفة أخرى لله لا يشترك فيها أحد، وهي أنه الأزلي.
الأزلي: وكلمة أزلي تعني لا بداية له. أما كل الكائنات الأخرى من المخلوقات، فلها بداية. وهي تبدأ من حين خُلقت. العالم كله له بداية خلق فيها، ولذلك فهو ليس أزليًا. وكذلك الإنسان ليس أزليًا، إذ يبدأ وجوده من يوم خلقه الله. وهكذا يكون الله وحده هو الأزلي، لأنه ليس مخلوقًا، ولا بداية له.
ولكن يحدث أحيانًا وسط حماسنا أن نقول «علاقتنا بالدولة الفلانية هي علاقة أزلية»! ونقصد بذلك أنها قديمة جدًا. ولكن مهما قدمت، فإن لها بداية، لذلك فهي ليست أزلية. لا بلادنا أزلية، لأنها مخلوقة، وكذلك الدولة الأخرى لها بداية فهي ليست أزلية..
سأضرب لكم مثلًا خفيفًا يقَرب إليكم معني كلمة (أزلي). لو سألنا شخصًا منذ متى كان 1+1=2؟ منذ اليوم؟ أمس؟ قبلًا من أمس؟ لكانت الإجابة "قبل ذلك بكثير جدًا". ونسأل: منذ مائة سنة؟ ألف سنة؟ مليون سنة؟ تكون الإجابة قبل ذلك أيضًا. وينتهي الحوار إلى أنها حقيقة لا بداية لها. أي أزلية...
ولو سألنا: منذ متى "الخير أفضل من الشر"؟ وتدرجنا في هذا السؤال مثل سابقه، لوجدنا الإجابة إنها حقيقية لا بداية لها، أي أزلية. ولكن هذه مجرد حقائق أزلية في الفكر.
ولكن الله هو الحقيقة الأزلية في الوجود العملي، لأنه التفسير العملي لوجود باقي الكائنات.
أيضًا من صفات الله التي يتميز بها وحده، أنه غير محدود:
غير محدود: الله هو الكائن الوحيد غير المحدود من جهة الزمان، والمكان، والقدرة والمعرفة...
+ هو غير محدود من جهة الزمان، لأنه موجود قبل الزمان، وقبل أن تُعرف مقاييس الزمان، كان موجودًا وحده قبل كل الخليقة. الزمان في مفهومنا له ثلاثة أقسام: الماضي والحاضر والمستقبل، والله أزلي لا بداية له، وأبدي لا نهاية له، أو هو سرمدي، فوق حدود الزمان. ومن جهة الزمان، أمام الله الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد. لا يرى المستقبل فيما بعد، بل يراه من الآن. ويتحدث عنه كأنه يتحدث عن الماضي، كما تحدث عن آلام الصلب في مز 22.
+ وهو غير محدود من جهة المكان، موجود في كل مكان، بل لا يوجد مكان يسعه. وكما قال الشاعر عن الله:
لم يسعك الكون ما أضيقه كيف للقلب إذًا أن يسعك؟!
الله موجود في السماء، وفي الأرض، وما بينهما. لذلك فهو لا ينتقل من مكان إلى آخر، لأنه في كل مكان. ولا يصعد ولا يهبط، لأنه في مكان الصعود، وفي مكان الهبوط، وما بينهما..
+ نقرأ في الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السموات والأرض" (تك1:1). فما هي السماوات؟
+ ومن جهة القدرة: الله هو الوحيد القادر على كل شئ. لذلك يُدعى Almighty. مِن المخلوقات مَنْ هو قادر فقط mighty، أما الله فهو الوحيد القادر على كل شيء، ولا يعسر عليه أمر. ومن ضمن مظاهر قدرته المعجزات. وقد سُمِّيت معجزات لأن العقل البشري يعجز عن فهمها. وهذه المعجزات لا تتنافى مع العقل، ولكنها مستوى فوق مستوى العقل. ومن أهم المعجزات العامة: الخلق، وإقامة الموتى. وكون الله غير محدود في القدرة، يتنافى مع تعدد الآلهة. لأنه لو وجد أكثر من إله، فهل كل واحد منهم لا يقدر على غيره، وحينئذ لا يكون قادرًا على كل شيء، وهذا ضد الألوهية. ألم يوجد إله بين هؤلاء يقدر على الباقين، ويكون هو الإله الحقيقي، ولا يكون الباقون آلهة لضعفهم...
وكما أن الله غير محدود في القدرة، هو أيضًا غير محدود في المعرفة. يقولون أن أكثر الناس معرفة هو الذي يعرف شيئًا عن كل شيء، من جهة الثقافة العامة، ويعرف كل شيء عن شيء من جهة التخصص. وعلى الرغم من أنه لم يوجد إنسان واحد يعرف شيئًا عن كل شيء، ويعرف كل شيء عن شيء.
+ نعم، إن الله يعرف كل شيء عن كل شيء وعن كل أحد. وهو الوحيد الذي له هذه المعرفة الشاملة الكاملة، لهذا نقول عنه إنه كلي المعرفة. الله يعرف الخفيات والظاهرات. يعرف ما هو داخل القلب والفكر، ويعرف النيات. يعرف ما عمله الناس وما ينوون عمله. ويعرف أيضًا كل ما يعمله الشيطان وسيجازيه حسب أعماله.
+ ومعرفة الله بغير تدرج كما يعرف علماء الطبيعة والكيمياء، بما يسمونه (خطوات العمل). ومعرفته أكيدة تمامًا.
+ والله يعرف بدون أجهزة. ففي عالم الطب يحتاجون إلى كشوفات وفحوصات وتحاليل، وإلى جهاز MRI وأجهزة أشعة متنوعة ومناظير، أما الله فيعرف المعرفة الكاملة الشاملة بدون أجهزة. شركات الفحص عن البترول تعرف الأماكن التي يوجد بها بترول، عن طريق حفريات ربما تصل إلى آلاف الأمتار. أما الله فيعرف ذلك بدون حفريات ولا كشفيات، ولأنه هو الذي شاء أن يوجد بترول في تلك الأماكن التي يوجد بها. وكذلك ما يتعلق بالمناجم.. والعلماء يعرفون خواص المواد النافعة للصحة. أما الله فيعرف كل ذلك بدون أية وسائط، ولأنه هو الذي وضع في تلك المواد ما فيها من خواص.
من صفات الله أيضًا التي يختص بها وحده: الكمال المُطلق.
الكمال المُطلق: قد يصل البشر إلى درجات من الكمال النسبي، بالنسبة إلى السن والذكاء والقدرة وما يُعطى لكل منهم من نعمة عند الله. أما الكمال المُطلق فهو لله وحده، وكذلك المُطلق عمومًا.. الإنسان قد يتصف بالحكمة، ولكن الله وحده هو الذي له الحكمة المُطلقة، الحكمة غير المحدودة، فهو كلي الحكمة.
والإنسان قد يكون رحيمًا، ولكن رحمته محدودة بالنسبة إلى الرحمة غير المحدودة عند الله، فهو كلي الرحمة. كذلك الله له العدل غير المحدود.. وهكذا في باقي الصفات وكمالها المُطلق.
وصفات الله لا تتعارض مع بعضها البعض ولا تتجزأ..
فهو كامل في عدله، كما أنه كامل في رحمته، لا صراع بينهما كما يتخيل البعض أن رحمة الله تفتخر على عدله!! كلا، فإن عدل الله مملوء رحمة، ورحمة الله مملوءة عدلًا. الله عادل في رحمته، ورحيم في عدله. عدله عدل رحيم، ورحمته رحمة عادلة.. وهكذا مع باقي الصفات في تجانسها...
صفة أخري من صفات الله، أنه وحده المعبود.
المعبود وَحده: فالعبادة الحقيقية هي لله وحده، بكل ما فيها من تفاصيل. فهو وحده الذي توجَه إليه الصلوات، وهو وحده الذي هو مركز الإيمان عند البشر وعند الملائكة.
وكل عبادة لغيره هي عبادة باطلة، وهي ضد الإيمان السليم مثل عبادة الأصنام، وعبادة الطبيعة، وعبادة الأجداد، وعبادة الأرواح والشياطين، وما إلى ذلك، مهما تسمى أولئك بالآلهة. بل كما يقول المزمور «إن كل آلهة الأمم شياطين».