اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السنة السابعة والأربعون29 نوفمبر 2019 - 19 هاتور 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

عن الكذب

الأنبا تكلا - اسقف دشنا

29 نوفمبر 2019 - 19 هاتور 1736 ش

في تأملاتنا من خلال سلسة دراسة قائمة خطايا خطيرة تفقدنا الأبدية، كنا قد تحدثنا في الأسابيع الماضية عن الطمع ثم البَطَر ثم الإدانة. واليوم نود أن نتكلم عن الكذب. وهي خطية شائعة فيها يتكلم الإنسان بخلاف الواقع مع العلم به. ويدخل تحت الكذب المبالغة المقصودة في القول، وتعمّد عدم تحرّي الدقة في التعبير، وهذه وإن كانت تدخل تحت خطية الكذب فهي أيضا خطية مركّبة لأن لها هدفًا آخر بحسب الغاية التي من أجلها قيلت. ومن أمثلة ذلك: من يبالغ بغرض الافتخار والمباهاة والكبرياء، أو من يبالغ بقصد إلحاق الأذى والضرر بالآخرين. ويدخل ضمن الكذب أيضًا: الكلام الذي يقصد به قائله أن يكون مُبهمًا أو ملتويًا بقصد إعطاء معلومات غير سليمة.. وقد يُلبِس البعض الكذب ثوبًا آخر حتى لا يبدو سافرًا، وهم يحسبون ذلك من قبيل الحكمة أو الحذق.. إن هذا التصرف وأمثاله لا يخرج عن كونه كذبًا.

ولكن ما أسباب هذه الخطية؟ وما هي خطورتها؟ وكيفية علاجها؟

(أ) أسباب خطية الكذب:

(1) إخفاء الذنوب والخطايا الأخرى: فحينما يسقط إنسان في خطية ما ويرتكب إثمًا يلجأ إلى الكذب ويستغله ليخفى به إثمه وفعله الشائن.

(2) من أجل نفع شخصي: كدفع ضرر أو جلب خير أو قضاء مصلحة...

(3) الرغبة في المزاح: مثل (كذبة إبريل)، أو الرغبة في التهكم على الآخرين، خصوصًا من كانوا أضعف أو أقل ثقافة ومعرفة ومركزًا.

(4) حالة نفسية: فقد يكذب الإنسان بسبب حالة نفسية يعاني منها نتيجة تربيته المبكرة الخاطئة (كأن يكون قد تربى على الخوف مما يجعله هيّابًا مترددًا)، وقد يحدث أن يكبر الإنسان وتكون هذه الحالة قد تحولت فيه إلى عقدة نفسية تلازمه.

(5) عوامل نفسية أخرى: كالشعور بالنقص أو الخجل.. كالشاب الذي يجلس بين مجموعة من الشباب المستهتر الذين يفاخرون بمغامراتهم الشريرة، فينتحل هو الآخر قصصًا ومغامرات لكي ما يجاريهم. وكالشاب الذي ينشأ في عائلة فقيرة ويندمج في أوساط أرقى من مستواه الاجتماعي، فيكذب خجلًا وهو يتحدث عن نسبه وعائلته.

(ب) خطورة خطية الكذب:

(1) قد يكون سببا في إخفاء خطأ معين مما يشجع على التمادي فيه.

(2) له علاقة كبيرة بخطايا أخرى مثل السرقة والغش، فهذه الثلاثة تتفق في صفة عدم الأمانة.

(3) خطية ضد الله باعتباره الحق (يو14: 6) وضد وصاياه «لا تسرقوا ولا تكذبوا...» (لا19: 11).

(4) إن الكذاب ينتسب للشيطان بل يُعتبر ابنًا له، إذ قال الرب عن الشيطان «لأنه كذاب وأبو الكذاب» (يو8: 44).

(ج) عقوبة الكذب:

1) عقاب زمني:

(أ) فقدان ثقة الناس واحترامهم نتيجة افتضاح كذبه: إذ قال الله «ليس مكتومًا لن يُستعلن ولا خفي لن يُعرف» (مت10: 26)، وكما يقول سفر الأمثال «شفة الصدق تثبت إلى الأبد، ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة العين» (أم12: 19).

(ب) عقوبة جسدية: مثل موت حنانيا وسفيرة اللذان كذبا على الرسل (أع 5: 1-10)، ومثل انتقال برص نعمان السرياني إلى جيحزي الذي كذب على معلمه أليشع (2مل5: 20-27).

2) عقاب أبدي: قال الكتاب المقدس «وجميع الكذبة نصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت» (رؤ21: 8).

(د) علاج خطية الكذب:

1- يحتاج الأمر إلى اقتناع فكرى بقبح الكذب الذي يسيء به الإنسان إلى ذاته، ويجلب لها الاحتقار حينما ينكشف الكذب، بل وأكثر من هذا أن أحدًا لا يصبح مستعدًا لتصديق من تكرّر كذبه لأنه (كذّاب).

2- ويحتاج الأمر أيضًا إلى اقتناع فكرى بعدم جدوى الكذب إن كان الإنسان يلوذ به طلبا للنجاة. فالكذب حبله قصير ولا يوصّل إلّا إلى نجاة مؤقتة، إن حدثت نجاة. أمّا الصدق فهو وإن لم ينجِّ نجاة كاملة، فهو على الأقل يخفّف العقاب الزمني وينجّي كلية من العقاب الأبدي.

3- والكذب الذي يدفع إليه الخوف يلزم لعلاجه شجاعة قلبية نتيجة تمسك الإنسان بخالقه «لأنه عليّ اتكل فأنجيه، استره لأنه عرف اسمي، معه أنا في الشدة أنقذه وأمجده» (مز91). علينا أن نقبل أي ضرر قد يأتي علينا من جرّاء صدقنا بضمير مستريح.

4- الكذاب يحتاج (بوجه عام) إلى توبة صادقة وحياة مقدسة مع الرب.. فإن قلنا إنه يأتي بعد خطية ما للتستُّر عليها، فحينما نحيا مع الله الحياة المَرضية سنجاهد للتخلص من أخطائنا، فلا نلجأ إلى الكذب لإخفائها. وحينما يحيا الإنسان حياة الروح يصبح -إن ضعف أو سقط في خطية- مستعدًا للإقرار والاعتراف بها والاعتذار عنها لمن أخطأ أو أساء إليه، بل ويصبح مستعدًا عن طيب خاطر لتحمل العقوبة التي يستحقها.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx