تعيش الكنيسة في الأصوام حالة من النشوة
الروحية والصلوات النقية والأعمال الخيرية بكل فرح واجتهاد، مع حالة من الشبع
القلبي الداخلي، والنصرة على الشهوات والميول الفاسدة، وكل ذلك لأن العبادة
تتكامل.. إذ بالصوم نستعد للصلاة ونميل إلى العطاء التلقائي نتيجة الحرية الداخلية
التي يكتسبها الصائم من عمل الروح القدس في جسده كهيكل لله، وهذا هو الوعد الإلهي «طوبى
للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون» (مت5: 6).
وهذه أحلى أمنية:
فالبعض يريد تحقيق أكبر قدر من الصوم الانقطاعي، أو قراءة أكبر كمية من آيات
الكتاب المقدس والأسفار الإلهية والكتب الروحية، أو تحقيق نشاط روحي كبير في خدمته،
ونهضة فكرية، أو تنفيذ تداريب روحية كالصلاة الدائمة أو ما يُعرَف بـ"صلاة
يسوع".
ونرى سباقًا روحيًا رائعًا في حلبة الجهاد
المقدس والوصول إلى الشبع الروحي الحقيقي، وتؤيد كلمات الله كل هذا في الآيات
التالية: «وجدت كلامك كالشهد فأكلته»، وأيضًا «مثل غني بوصاياك أتكلم» و«رفعت يديّ
إلى وصاياك التي وددتها جدًا»، «وأبتهج بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة»، «الذي لي في
السماء ومعه لا أريد شيئًا على الأرض» و« كل ما كان لى ربحًا حسبته نفاية»...
وهكذا ندخل بالصوم إلى فردوس الحياة
الروحية، ونظل طوال الصوم نتلقى كلمات الله من القراءات الكنسية على مدى الفترة من
صوم يونان كمقدمة وحتى أسبوع الآلام وفرح القيامة المقدسة. وأقدم لكم هذه الوجبة
الدسمة كالآتي:
ففي أحد الرفاع: أبوك
الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية.. وهنا نبدأ رحلة البنوة الروحية للآب السماوي،
ونشبع في الحضن الأبوي، وهذا يفتح أمامنا الكنوز الروحية الحقيقية إذ في:
الأحد الأول: حيث يكون كنزك
هناك يكون قلبك أيضًا.. إذ نتمتع بملكية الله على القلب، وهكذا تكون مخارج الحياة
كلها مقدسة لأن الكنز صار فيه يتوق إلى الكنوز الروحية المتكاملة.. ويؤدي هذا إلى:
الأحد الثاني: حيث
النصرة والغلبة على كل ما يعرضه الشيطان من إمكانيات لإطعام الجسد أو لإغراء النفس
أو لتشامخ الروح، وبهذه النصرة ندخل إلى:
حضن الآب في الأسبوع الثالث:
فنحقق الحياة الحقيقية، إذ قيل عن الابن الضال إنه كان ميتًا فعاش، وكان ضالًا فوُجِد
بعد الكورة البعيدة التي أخرجته من حضن البنوة إلى عبودية الخطية، وهكذا تقدمنا
الكنيسة إلى مشهد عملي في:
الأحد الرابع: وهو
لقاء السامرية مع المسيح عند البئر في وقت الساعة السادسة التي فيها تم خلاص
البشرية على الصليب، إذ قدم الرب لها الماء الحي وليس ماء البئر حين قال لها: «لو
علمتِ عطية الله، ومَنْ الذي يقول لك.. لطلبتِ أنت منه فأعطاكِ ماءً حَيًّا (أي
عمل روح الله في القلب الإنساني)». ومن خلال هذه العطية يتحرّر الإنسان من شلل
الإرادة كما نرى في:
الأسبوع الخامس: أحد
المخلّع الذي حمل سريره ومشى.. ويبقى أن تنفتح الأعين من عمى الخطية كما نرى في:
الأحد السادس: أحد
التناصير والتجديد الذي يناله المُعَمَّد بعد المعمودية، إذ صارت له الأعين
الروحية التي تبصر ملكوت الله على النفس الداخلية العميقة، فيعبر من خلال آلام
المخلص إلى الحياة الأبدية بالقيامة الروحية الكاملة.
إنها رحلة رائعة نعيشها كل عام خلال هذه
الفترة الروحية الفريدة والمقدسة..