حياة الإنسان المؤمن مُستمدَّة من الله، لأن الله هو مصدر الحياة بكل أنواعها، سواء حياة الروح الإنسانية وكذلك الجسد، وبقية الكائنات الحيّة كلها خلقة يد الله.. ولكن يتميز الإنسان المؤمن بأن حياته شركة مع الله، كما رأينا منذ خلقة آدم وحواء في الفردوس، وخلق لهما كل ما يحتاجان إليه من نبات وحيوان وهواء وماء وورود وأزهار.. وهكذا كان الله في حياة كل رجاله الأبرار.
نرى ذلك بوضوح في حياة أبينا إبراهيم ونسله إسحق ويعقوب.. وكان عمل الله عجيبًا في حياتهم: فكانت ولادة إسحق بعد ميتوتة مستودع سارة أمه، إذ كانت في عمر 90 سنة. وكذلك كان يوحنا المعمدان من أليصابات وعمرها 80 سنة. وكان مع موسى النبي إذ ظهر له في العليقة، وهي لا تحترق بالنار رغم أنها مشتعلة فيها، حتى قال موسى «أميل لأنظر هذا المنظر العجيب» (خر3:3). وفي عبوره مع الشعب شقّ البحر الأحمر بعصاه، إذ قال له الله: مُدَّ عصاك، فمدها فخرجت ريح شقّت البحر نصفين ليعبروا من وجه فرعون الذي أُغلِق عليه البحر حين عبر إلى نصفه، فغرق هو وجنوده ومركباته. وكان واضحًا جدًا في حياة موسى النبي إذ جعل وجهة منيرًا، لا يقدر أحد أن ينظر إليه من شدّة الإضاءة. وكان مع إيليا النبي وسمع لصلاته حين طلب ألّا تُمطر السماء، فلم تمطر ثلاث سنين وستة أشهر. وكان مع أليشع تلميذة وعمل الله معه برداء معلمه إيليا النبي إذ فتح البحر به، وحين بارك المرأة أعطاها ابنًا وأقامه حين مات. وليس هذا فقط، بل كان مع كل مَنْ اختارهم وأقامهم ليعلّموا الناس طريق الله، ونصرهم في كل المواقف مثل داود النبي على جليات الجبار، وكان في هذا الموقف رمزًا للمسيح الذي انتصر على الشيطان.
وفي العهد الجديد كان مع الرسل القديسين وصنعوا معجزات كثيرة، ومع رجال الله مثل سمعان الخراز الذي نقل جبل المقطم إكرامًا له لأنه نفّذ وصية الله، ومعه بركة البابا أبرآم بن زرعة.. والعجيب أن الله تمجد برسله مثل بطرس الرسول الذي ظلّه شفى مرضى كثيرين، ومع بولس الرسول إذ بالخرق شفى مرضى وأخرج شياطين كثيرة من بشر.
ومع شركة الحياة مع الله يتم تغيير كثيرين ممن يخدمهم هؤلاء ليصيروا قديسين، مثل سحرة تحوّلوا عن سحرهم وصاروا مؤمنين يعمل فيهم الروح القدس.. وبشركة الحياة مع الله تمت أعمال عجيبة في الكلمة الروحية والآيات التي تحدث تأكيدًا لكلمة الله والشركة مع فكر الله، وكثيرون نُخِسَتْ قلوبهم وتابوا، وامتلأت الأرض بعمل إلهي عجيب في تلمذة كثيرين حملوا شعلة الكرازة بالإيمان لكل مكان، فوردت تلك العبارة العجيبة: «وأمّا الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تُبنى وتسير في خوف الله، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر» (أع9: 31). حقًا إنها دعوة للجميع أن يتمتعوا بشركة الحياة مع الله في كنيسته المقدسة، مستمتعين بعمل الروح القدس في الأسرار المقدسة، والإرشاد الروحي الذي يُقدِّم لنا الطريق المستقيم للوصول إلى ثمر الروح القدس.. فنعيش الفضيلة ونتمتع بحياة مثمرة ثمرًا مقدسًا يفرح به الله وكنيسته والسماء أيضًا.