اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4824 أبريل 2020 - 16 برموده 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 15-16

اخر عدد

الكنيسة في أزمنة الكوارث الطبيعية (1)

نيافه الانبا مكاريوس الاسقف العام

24 أبريل 2020 - 16 برموده 1736 ش

قامت الكنيسة على مدار الزمن بدورها الرعوي والوطني جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة، كما تشتمل ليتورجياتها على كل نواحي الحياة، فتصلي لأجل الرئيس، بل أنها تخصص أوشية بمفردها للرئيس، والوزراء والجيش، والزرع والماء والهواء وجميع أشغال الناس. وهي ليست منفصلة عن المجتمع، فإن السيد المسيح طلب أن نكون نور العالم وملحًا للأرض وليس للكنيسة. وتحدث الكتاب المقدس كثيرًا عن الوطن والانتماء، وتنمّي الكنيسة عند أولادها الانتماء للوطن والدفاع عنه، وطاعة الرئيس، واحترام قوانين الدولة. وفي هذه الظروف أوصى قداسة البابا بالتزام الشعب قوانين الحظر، بدءًا من إيقاف الصلوات الجماعية، إلى تكريس بعض مؤسسات الكنيسة لدعم جهود الدولة في مقاومة الفيروس. وعلى مدار الزمن سجلت الكنيسة صفحات مشرفة في العمل التطوُّعي في أزمنة الكوارث الطبيعية ولا سيما الأوبئة. ونتناول هنا بعضًا من هذه المواقف..

القديس الأنبا باخوميوس ووباء الطاعون:

كان باخوميوس شابًا في الجيش، وتأثر بمحبة أهل إسنا، فقرّر أن يتعمّد، بل ترهّب، بل صار أبًا لجماعة رهبانية كبيرة، وأسس نظامًا رهبانيًا سُمِّي بـ"نظام الشركة"، حيث يحيا كل مجموعة من الرهبان معًا، يصلّون ويعملون ويتناولون طعامهم معًا، ويعزّون بعضهم بعضًا. وكان كل بيت يضم سبعة أو ثمانية رهبان تحت رئاسة أحدهم، والعجيب أن الأنبا باخوميوس نفسه ورغم أنه كان يرأس جميع الرهبان، إلّا أنه كان يحيا في أحد تلك البيوت، والتي أُطلِق عليها لاحقًا اسم "منشوبية" (بي ما انشوبي pima`n]wpi) أي "مكان سُكنى"، مثل قولنا عن الفردوس "إفما إن شوبي إنّي ذيكيئوس `vma`n]wpi `nnidikeoc" موضع سكنى القديسين.

وجاء عنه أنه مضى دفعةً في أمرٍ مع الإخوة، وكان ذلك الأمرُ يحتاج إلى أن يحملَ كلُّ واحدٍ منهم كميةً من الخبزِ. فقال له أحدُ الشبانِ: "حاشاك أن تحملَ شيئًا يا أبانا، هوذا أنا قد حملتُ كفافي وكفافك". فأجابه القديسُ: "هذا لا يكون أبدًا. إن كان قد كُتِب من أجلِ الربِ أنه يليقُ به أن يتشبّهَ بإخوتهِ في كلِّ شيءٍ، فكيف أُميِّزُ نفسي أنا الحقير عن إخوتي حتى لا أحملَ حملي مثلهم؟".

في أيامه أصاب البلاد وباء الطاعون، وامتد إلى مجموعة أديرته، فكان ينتقل بين الأديرة يخدم المرضى والشيوخ فيها، ويشرف على دفن من ينتقلون، حيث انتقل عدد ليس بقليل من رهبان الأديرة الباخومية بسبب هذا الوبأ..

وذُكِر في سيرة باخوميوس اليونانية (حسبما ذكر الباحث الدكتور إبراهيم ساويرس)، أن الأب باخوميوس أمر بعدم سير الإخوة في جنازة أحدهم، وأمر بحرق ملابسه، ولم يستطع كاتب السيرة أن يُفسّر تصرف باخوميوس! فهل كانت لباخوميوس معرفة روحية بأن الأخ قد أُصيب مبكرًا بالمرض؟ وكان ذلك إجراء وقائيًا؟

وأخيرًا أُصيب الأنبا باخوميوس بنفس المرض، فمضى إلى نفس المكان الذي ينام فيه المرضى، وشدّد على عدم تمييزه في شيء. وعندما احتاج إلى غطاء وأتوه من المخزن بواحد يمتاز قليلًا عن الباقين، عاتب الراهب تواضرس المرافق له لئلّا يُعثَر الإخوة، فقام بإعادته واستبداله بآخر أسوة ببقية المرضى.

كانت حالته الصحية قد تدهورت، لدرجة أنه بعد مرور أربعين يومًا من المرض، لم يكن قادرًا على احتمال ثوبه من شدة المرض القاسى، فلما اشتد عليه المرض رفض أن يُعامَل معاملة أفضل من بقية الإخوة المرضى، وكان الأمر كله يتعلّق بغطاء يُخصَّص له في أيامه الأخيرة من نوع فاخر مقارنة بأغطية الإخوة!!

واستمر في رقدته حتى الخمسين المقدسة، وفى ساعة نياحته كان الإخوة جالسين حوله، أمّا تادرس تلميذه فكان يجلس بعيدًا وأحنى رأسه على ركبتيه ودموعه تنهمر بغزارة، فقال لهم الأنبا باخوميوس: "أنا منصرف عن هذا العالم مثل آبائي وأجدادي، إلى الله الذي خلقني وأحبني وفداني"، ثم طلب إلى تلميذه تواضروس المرافق له في مرضه قائلًا: "حين يفتقدنى الرب، لا تترك جسدي في المكان الذي سأُدفَن فيه". ثم راح فى غيبوبة لفترة من الزمن، ولم ينطق بكلمة أخرى لمن حوله، بل رشم ذاته علامة الصليب ثلاث مرات، ثم فتح فمه وأسلم الروح، وكان ذلك يوم 14 بشنس عند الساعة العاشرة صباحًا. وبعد ذلك قام القديس تادرس وبصحبته ثلاثة من الرهبان وحملوا جسد الأنبا باخوميوس إلى موضع آخر حتى لا يعلم أحد بمكانه كوصية أبيه.. حيث أوصى الأنبا باخوم تلميذه تادرس أن يدفن جسده في مكان غير معلوم.

هكذا طالت الأوبئة الإكليروس والرهبان والشعب العادي، ولكن من المهم أن نعرف كيف واجهوا المرض، وكيف سلكوا تجاه الآخرين، وكيف أن سبب الوفاة لا علاقة له بقداسة الشخص من عدمها، فكثير من المجرمين والقتلة والأشرار عاشوا حتى طَعنوا في السن، وماتوا على أسرّتهم ووسط أولادهم، ويتبقّى في النهاية دينونة الله العادلة.

من أقواله: "إن كنتَ رئيسًا ومعلّمًا، فكن إشارة صالحة للكل، وتصرّف في جميع أمورك بإفراز كثير، حتى لا تصير لإخوتك حجر عثرة في أمر من الأمور، وليكن تعليمك لهم من سيرتك وتصرفك وهيئتك ومن سائر أمورك، أكثر من تعليمك لهم بأقوالك وعظاتك".

المراجع: سيرة القديس لأرماند فييّه، وسيرته لبلاديوس، وسيرته للأب مراد مجلع، ومقال للباحث د. إبراهيم ساويرس.


  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx