اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4810 يوليه 2020 - 3 ابيب 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 25-26

اخر عدد

أمومة الكنيسة (2)

قداسة البابا تواضروس الثانى

10 يوليه 2020 - 3 ابيب 1736 ش

في حياة البشر كلمات قليلة في حروفها وعظيمة في معانيها، مثل كلمات : أسرة، وطن، علم، هواء... ومن بين هذه الكلمات كلمة "أُم" وهي من حرفين فقط، ويقولون إنها اختصار عبارة "الله محبة"، ولذا فهي كلمة غالية جدًا.

والأم إذ تعطي الحياة، تحتل مكانة ممتازة في حياة الناس كما في تاريخ الخلاص. وهذا ما قصده آدم بتسمية امرأته "حواء" بمعنى أنها "أم الأحياء" (تكوين3: 20).

والكنيسة التي استودعها المسيح إلى تلاميذه ورسله، عندما قال لبطرس الرسول في حضور التلاميذ «وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ» (مت16: 18-19)، ولئلا يظن أحدٌ ان هذا الكلام يخصّ بطرس الرسول فقط، رغم أن السيد المسيح قاله في حضور التلاميذ، ولكن اندفاع بطرس الرسول وإجابته السريعة جعلت المسيح يوجّه له الكلام، ولكن نفس هذا الكلام قاله السيد المسيح الى جموع التلاميذ في (متى18:18) «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.»

وهكذا صارت الكنيسة بصيغة الملكية للمسيح «كنيستي» (متى16: 18)، ولذا نسمّيها: عروس المسيح أو كنيسة المسيح أو بيت الله أو بيت الملائكة أو بيت القديسين... الخ، وهو ما عبّر عنه أحد أبنائنا حين وضع كلمات الترنيمة المشهورة "كنيستي كنيستي كنيستي هي بيتي، هي أمي، هي سر فرح حياتي". وهذا تعبير بليغ عن وضعية ومكانة الكنيسة بالنسبة للإنسان القبطي.. إنها بيت، وأم، وفرح.

أولًا: بيت لأن فيها الأبوة (سر الكهنوت )، وفيها الراحة والشفاء (سر مسحة المرضى).

وثانيًا: أم لأن أسرتي وُلِدت فيها (سر الزيجة)، وأنا وُلِدت فيها (سر المعمودية)، وايضًا تثبّتُّ في عضويتها (سر الميرون).

وثالثًا: فرح لأني في حضنها أتوب (سر الاعتراف)، وعلى مائدتها أتغذّى وأشبع (سر التناول) وأفرح.

وهكذا صارت أمومة الكنيسة حاضرة من خلال أسرارها السبعة المقدسة، التي نمارسها على يد آبائها الأساقفة والكهنة، من جيل إلى جيل.

وأمومة الكنيسة حاضرة دائمًا لأنها بكل فرح تلد كل يوم بنين وبنات، فالمرأة عندما تصبح أمًّا تتهلّل، وحواء عند ولادتها الأولى ابتهجت (تكوين4: 1)، وإسحق يذكّرنا بضحك سارة وفرحها ساعة ولادته (تكوين21: 6). والوصايا العشر تعلن أنه يحق للأم أن تجد لها عند أبنائها احترامًا مثل الأب تمامًا: «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ» (خروج20: 12). وأي تهاون في حق الأم أو الأب له عقاب قاسٍ:«وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلًا» (خروج21: 17)، و« كُلُّ إِنْسَانٍ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. قَدْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ» (لاويين20: 9)، وكذلك في سفر اللاويين (21: 18-21). أمّا في سفر الأمثال فيقول: «مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ» (أمثال20:20).

وهذه الوصايا ليست للأمومة الجسدية أو الأبوة الجسدية فقط، ولكنها وثيقة الصلة بالأمومة الروحية أي أمومة الكنيسة، وبالأبوة الروحية أي آباء الكنيسة. وهناك خطورة بالغة على من يكسر هذه الوصايا ويستهين بها، ويشرح السيد المسيح ذلك للجموع قائلًا: «اسْمَعُوا وَافْهَمُوا. لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» (متى15: 10-11)، ثم قدم المثل الشهير «إِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ» (متى15: 14)، ويختم بقوله: «... مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ فَمِنَ الْقَلْب يَصْدُرُ، وَذَاكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ» (متى15: 18).

حقًا «فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ.َالإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ.وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ.لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى12: 33-37).

أكتُب هذا بروح أمومة الكنيسة الصادقة، وخوفي الشديد علي من يستهينون بالكتابات والمقالات وما أكثرها، وهم لا يدرون ما يفعلون؟!.. بماذا ستجيب الديان العادل يوم الدين؟؟ لا تظن أيها الحبيب أنك مُصلح أو عالم أو مُعلّم، فهذه خدع شياطين. سوف ترتفع وترتفع وسوف تشتهر وتشتهر، وتظن أنهم يستمعون إليك، وأنت لا تدري أنه «قَبْلَ الْكَسْرِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ تَشَامُخُ الرُّوحِ» (أمثال16: 18).

هذه أقوال الله.. هل تصدقها؟ إيّاك تستهين بلطف الله.

الكنيسة وأمومتها المتدفقة نحوك تحتمل وتصبر وتتأنى وتصلي من أجل كل شارد، حتى وان كان ابنها العزيز الذي تنتظر عودته ورجوعه وتوبته ونقاوة لسانه. تنتظره حتى يستيقظ من غواية الشيطان له. واستمع إلى كلمات القديس بولس الرسول الحاسمة وهو يناديك:

«اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ،

وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ،

فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ.

فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ،

لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ،

مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ» (أفسس5: 14-16).

من فضلك أعد قراءة الكلمات السابقة بتمعُّن.. إنها لك حتى لا يضيع عمرك باطلًا، وفي غفلة الحياة يأتيك الموت. استيقظ الآن وليس غدًا، واترك ماضيك الرديء وقلمك الشرير، وأعلم «مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ» (أمثال20:20).

البابا تواضروس الثاني

 10 يوليو 2020




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx