اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4810 يوليه 2020 - 3 ابيب 1736 ش     العدد كـــ PDFالعدد 25-26

اخر عدد

خوفًا لنفسك

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

10 يوليه 2020 - 3 ابيب 1736 ش

لما وقف إرميا النبي في دار بيت الرب وتنبأ بالشر على أورشليم، سمع فشحور بن إمير الكاهن (وهو ناظر أول في بيت الرب) هذا الكلام فغضب وضرب إرميا النبي وجعله في المقطرة في باب بنيامين الأعلى الذي عند بيت الرب. وفي الغد لما أخرج فشحور إرميا النبي من المقطرة قال له إرميا: «لم يدعُ الرب اسمك فشحور بل مَجور مِسَّا بيب. لأنه هكذا قال الرب هأنذا أجعلك خوفًا لنفسك ولكل محبيك» (إر20: 3-4).

وكلمة "فشحور" تعني ازدهار من كل جانب، أما "مَجور مِسَّا بيب" فتعني "خوف من كل جانب". أي أن فشحور، الذي كان كاهنًا والرجل الثاني بعد رئيس الكهنة في الهيكل في أيام إرميا النبي، جلب على نفسه بتطاوله على إرميا النبي وعدم تصديق كلام الله على لسانه، اللعنة بدل البركة إذ صار خوفًا لنفسه ولكل محبيه بعد أن كان سبب ازدهار للجميع.

يُعتبر الخوف لعنة تدمر حياة الإنسان الزمنية والأبدية. فالخوف يشلّ كل تحركات المرء، ويبتر علاقاته، ويفسد استمتاعه بالحياة. وأيضًا بسبب الخوف يُطرح الكثيرون في الجحيم: «وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة، فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني» (رؤ21: 8).

وللخوف أنواع كثيرة، وأصعب أنواعه هو أن يصير الإنسان "خوفًا لنفسه". يعني ذلك ألّا يكون هناك مصدرٌ خارجيٌ للخوف، بل ينبع الخوف من داخل قلب الإنسان وفكره، فينطبق عليه قول الحكيم: «الشرير يهرب ولا طارد» (أم28: 1). ومن أروع نصوص الكتاب المقدس التي تصف الخوف النابع من الوهم الداخلي، الأصحاح السابع عشر من سفر الحكمة، حيث يصف حال المصريين لما أتت عليهم ضربة الظلام من بين الضربات العشر. إنه يصف بدقة شديدة الخوف والرعب الذي كانوا فيه، وكيف كان هذا الخوف في أغلبيته نابعًا من أفكارهم الشخصية وتصورات قلوبهم فصاروا خوفًا لأنفسهم: «ويتوهّمون ما يظهر لهم أهول مما هو» (حك17: 6)؛ «فيهلكون من الخوف ويتوَقَّوْن (يتجنّبون) حتى الهواء الذي لا محيد عنه» (حك17: 9)؛ «فإن الخوف إنما هو ترك المدد الذي من العقل» (حك17: 11)؛ «فدوي الريح، وأغاريد الطيور على الأغصان الملتفة، وصوت المياه المندفعة بقوة، وقعقعة الحجارة المتدحرجة، وركض الحيوانات الذي لا يُرى، وزئير الوحوش الضارية، والصدى المتردد في بطون الجبال، كل ذلك كلن يذيبهم من الخوف» (حك17: 17-18). وأخيرًا يصف تدميرهم لأنفسهم بخوفهم قائلًا: «لكنهم كانوا على أنفسهم أثقل من الظلمة» (حك17: 20).

لماذا أتناول بالحديث هذا الموضوع بالذات؟ لأنني لاحظت كثرة الذين صاروا "خوفًا لأنفسهم" في ما يسمونه "زمن الكورونا"!! فما أكثر نوبات الهلع، والفوبيا، والوسواس القهري، والاكتئاب التي أصابت الكثيرين ودمرت حياتهم أكثر مما دمرها فيروس الكورونا نفسه! والعامل المشترك بين جميع تلك الأهوال النفسية "الخوف". لقد صارت فضيلة التمييز أهم فضيلة نحتاجها في زماننا هذا أكثر من أي زمان مضى. إننا نحتاج لتفكير موضوعي لا يهوِّن المخاطر من جهة، ولا «يتوهم ما يظهر له أهول مما هو» من جهة أخرى (حك17: 6). يذكّرنا لوقا الرسول أن إحدى علامات الزمان الأخير أن «الناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة» (لو21: 26).

من يخلُص إذًا؟!! الإجابة هي: «أمّا المستمع لي فيسكن آمنًا ويستريح من خوف الشر» (أم1: 33). لقد صار فشحور خوفًا لنفسه لما رفض الاستماع لكلام الرب وقبوله، أما حافظو الوصية المتضعون فلابد أن يخلصوا من كل خوف وظِلّ خوف!!




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx