المزمــــــــــــور الثاني والأربعون هو أحد المزامير المعزية التي لا نكرّرها في صلوات الأجبية اليومية، لكنه مزمـــــــــور تحمل كلماته لنا الكثير من التعزيات وقت الضيق والآلام. ففي الآلام هناك من تصغر نفسه ويكتئب، وهناك من تقوده الآلام إلى شوق أكثر إلى الله!!!
والإيل نوع من الغزلان تتميز بعدوها السريع، وبشوقها الدائم وبحثها الناجح عن أماكن المياه، وأيضًا يميزها نجاحها الدائم في مواجهة الأفاعي والتغلُّب عليها. فالإيل يستطيع أن يعدو بسرعة ويهاجم الأفاعي ويقتلها، وهذا يتركه في عرق وعطش، فيعدو بسرعة إلى أماكن المياه (والماء في الكتاب المقدس هو إشارة للروح القدس الذي قال عنه الرب يسوع: «من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 38)). أخيرًا يميّز الإيل أنها تتحرك في جماعات مستندة على بعضها البعض، كعلامة حب واحتمال للأخوة، فكل فرد في الجماعة يهتم بسلامة إخوته لكيما يعبروا الطريق معا!
والمزمور يمثل شوق الإنسان إلى الله –رغم كل الآلام- بشوق الإيل إلى جداول المياه.
كما يَشتاقُ الإيَّلُ إلَى جَداوِلِ المياهِ، هكذا تشتاقُ نَفسي إلَيكَ يا اللهُ. عَطِشَتْ نَفسي إلَى اللهِ، إلَى الإلهِ الحَيِّ: فالإنسان يقابل في حياته العديد من الأفاعي وهي تمثل حروب الشياطين، وهي على أنواع شتى، بعضها شر ظاهر وبعضها ذات بريق ملفت، لكن الإنسان الروحي لا ينخدع أبدًا بنعومة ملمس الأفاعي ولا بجمال شكلها، ولا يخشى الآلام التي تسبّبها له هذه الحروب، لكنها يواجهها ويهزمها جميعًا، ولا تزيده هذه الحروب والآلام إلّا شوقًا إلـــــــــــى الـــــــــرب وفرحًا به.
مَتَى أجيءُ وأتَراءَى قُدّامَ اللهِ؟: وهذا هو شوق الإنسان الروحي، إنه يشتاق إلى أيّ وقت يصلي فيه، أو يخدم الآخرين، أو يسأل عن إخوته، فهذه كلها هي عمل للوجود في محضر الله. فالآلام لا تزيد المسيحي سوى شوق إلى الله ومحبة لإخوته!!!
صارَتْ لي دُموعي خُبزًا نهارًا وليلًا: والخبز مهما كان يابسًا فهو موضوع شبع لصاحبه، فالإنسان المتمتّع بتعزيات الله تتحول ضيقات النهار -مهما كانت- إلى موضوع تعزيات ليلًا، إذ يضعها بدموع أمام الله في الصلاة، فالإنسان الروحي تتحول علاقته بالرب إلى علاقة شوق واختبار، فهو لا يعتبر صلواته واجبًا ثقيلًا عليه، بل يشتاق أن يجلس إلى الله وتكون آلام النهار خبز للليل، وما يصنعه معه الرب نهارًا يكون تعزية له ليلًا.
إذ قيلَ لي كُلَّ يومٍ: «أين إلهُكَ؟»: وهذا ما يحدث في كثير من الأحيان، إذ يعيّرنا البشر: هذا هو إلهكم يترككم للآلام! لكن من يتأثر بكلام الناس لا يمكنه أن يحوِّل آلام النهار إلى تعزبة.
هذِهِ أذكُرُها فأسكُبُ نَفسي علَيَّ: هذا هو رد فعل الإنسان الروحي تجاه الآلام وتعييرات الآخرين. أنا أتذكر تعيير العدو (الشيطان) لي، ولا أدع آلامي تلهيني، ولا تجعلني أتذمّر على الرب، بل أتخلّى عن ذاتي، ولا تصير نفسي ثمينة عندي، ولا أترك محبتي لذاتي تجعلني أضطرب، بل أتذكر ضعفاتي وخطاياي، وأقول لنفسي إنني مستحق للآلام، وأقدم توبة عن كل ضعفاتي، فتتحول آلامي إلى سبب للقائي مـــــــع الـــــــــــــــرب والتعزية به.