تعودنا أن نطلب من الله لا أن نطلب الله نفسه، ولعل السبب في فهم كلمة الله بطريقة خاطئة «اُدعُني في يوم الضيق، أنقذك فتمجدني» (مز50: 15)، وكذلك قول الرب لتلاميذه: «إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باِسمي، اطلبوا فتأخذوا ليكون فرحكم كاملًا» (يو16: 24)..وكأن قصد الله أن يعطي أشياء يحتاجها الإنسان كالصحة والمال والنسل الصالح والنجاح الhجتماعي وغير ذلك الكثير، ولكن عاتب السيد المسيح الجموع حين تجمعوا حوله بعد أن أشبعهم بالخمس خبزات والسمكتين قائلًا: «الحق الحق أقول لكم: أنتم تطلبونني ليس لأنكم رأيتم آيات، بل لأنكم أكلتم من الخبز فشبعتم» (يو6: 26)، وكذلك قوله: «إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا» (يو16: 24). ويعلق القديس أغسطينوس: "يعرف الرب يسوع أن النفس البشرية خُلِقت على صورته، لا تقدر أن تشبع إلّا به وحده، لذلك يقول «ليكون فرحكم كاملًا»."
ومدلول هذا أن البشر كخليقة الله يحتاجونه أكثر ما يحتاجون منه. صحيح السيد يقول: «اسألوا تُعطَوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يُفتَح لكم. لأن كل مَنْ يسأل يأخذ، ومَنْ يطلب يجد، ومَنْ يقرع يُفتَح له» (مت7:7). ويقول القديس أغسطينوس: "لو طلب رجل أعرج الشفاء دون العلاقة الشخصية معه ممكن أن ينتفع بالشفاء، لكن سيستخدم أرجله لطريق منحرف، لكن بمعرفة الله الشافي يستخدم الشفاء لطريق صالح". لذلك قال الرب لتلاميذه: «اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تُزاد لكم... فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره».
لذا ينبغي أن نفهم أن الله مهتم بنا، ويدبّر كل احتياجاتنا، وهو لا ينتظر منّا أن نطلب لكي يعطي، ولكنه يريد أن نطلبه هو لأن الغد في يده هو. فإذا وُجِد الله في حياتي، فسيدبّر كل الأمور لخيري. ودائمًا يشير الغد إلى المستقبل المجهول عند الإنسان لكن ليس عند الله، فإذا تمتع الإنسان بوجود الله فسيأمن المجهول ويشعر بالأمان والطمأنينة القلبية. والعجيب أن هذا الأمر كان مطلب الإنسان في المزمور «إنما الله انتظرت نفسي، من قِبَله خلاصي، إنما هو صخرتي وخلاصي، ملجأي فلا أتزعزع» (مز62: 1). وهنا تشبيه الله بصخرة قوية يدل على أهمية ذلك كأساس قوي لحياة الإنسان كلها، بكل ما فيها من احتياجات وأعمال وعلاقات اجتماعية وروحية وحتى المادية.
حقًا إنه الإيمان والثقة في الله ووجوده في حياة الإنسان. ولعل تلاقي احتياج الإنسان لله، واهتمام الله بالإنسان، يتحققان في ممارسات روحية هامة مثل السهر للصلاة ودوام العلاقة بالله «اصحوا واسهروا لأن إبليس عدوكم يجول كأسدٍ زائرٍ... فقاوموه راسخين في الإيمان» (1بط5: 8). والقديس أغسطينوس يقول: "أهمية أن يلجأ الإنسان للصلاة بإيمان ليُلقي من فوق قلعة الصلاة كلّ شر ويتقدم نحو الخير، وفي تقدمه نحو المستقبل يتمسك بشرائع الله المقدسة ووصاياه، ليضيء طريقه بنور كلمة الله، ويقول مع المرتل: «لو لم تكن شريعتك تلاوتي لهلكت حينئذ في مذلتي» (مز119)". ويقول القديس ما أفرآم السرياني: "إن رأيت الذين يبنون البيوت قُل في نفسك: إن هؤلاء يحرصون لإتمام بيوت مؤقتة، فلماذا أنا أتهاون في وصايا الله لأربح المساكن العلوية في الأبدية السعيدة".
ما أحوجنا لنقاوة القلب لكي نتمسك بأمور الله فنستحق أن نعاينه في الأبدية مسبّحين كل حين غنى مراحم الله ونعمته الجزيلة وإحساناته اليومية ومواقفه في حياتنا اليومية.