بمناسبة نياحة آخر راهب كان باقيًا على قيد الحياة من الرهبان الذين درسوا بمدرسة الرهبان اللاهوتية بحلوان، وهو الراهب القمص آنجيلوس الأنطوني الذي تنيح مساء الثلاثاء 14 يوليو الحالي، أكتب هذه السطور القليلة عن ملخص تاريخ هذه المدرسة العريقة.
البداية:
أسسها البابا يوأنس التاسع عشر الـ113 يوم الاثنين 4 مارس سنة 1929م، لتعليم الرهبان تعليمًا لاهوتيًا، خصوصًا الذين سيُختار منهم من يصلح للأسقفية. وكان مقرها أحد منازل الوقف المحيطة بكنيسة السيدة العذراء بحلوان. حيث تقدم للدراسة فيها 30 راهبًا، أُختير منهم اثنان وعشرون فقط لتبدأ بهم الدراسة في سنتها الأولى.
وأسند البابا يوأنس الإشراف عليها للراهب القمص ميساك موسى المنشاوي الأنبا بولا، وكيل أوقاف دير الأنبا بولا بالقاهرة (الأنبا أرسانيوس الثاني رئيس الدير لاحقًا)، والذي أدار المدرسة بمهارة لمدة ثلاث سنوات (1929-1933م). ثم أدارها بعده القمص باسيليوس البرموسي، ثم القمص عوض الأخميمي البرموسي، ثم القمص غبريال الشنراوي المحرقي.
بينما أسند قداسة البابا يوأنس نظارة المدرسة للشماس ميخائيل مينا الإكليريكي، الذي صار فيما بعد راهبًا في دير البرموس بنفس الاسم. وظل في خدمتها حتى تنيح في 7 أغسطس 1956م. وخلفه في نظارتها المتنيح الراهب القس أغابيوس البرموسي ابن أخيه حتى سنة 1961م، الذي كان يُدرِّس فيها منذ سنة 1946م الفلسفة واللغة الفرنسية.
وكان البابا يوأنس التاسع عشر حريصًا أن يزور تلك المدرسة بين الحين والآخر، لكي يحثّ أبناءه الرهبان على تحصيل العلم والتفوق فيه. غير أن الأمور لم تَسِر على ما يُرام. ففي سنة 1940م اجتمع الأنبا ثاؤفيلس مطران القدس وناظر دير الأنبا أنطونيوس، والقمص فلتاؤس مرقس السرياني رئيس دير السريان، والقمص ميساك موسى الأنبا بولا رئيس دير الأنبا بولا، وتقدموا بشكوى للبابا يوأنس، وعرضوا عليه مشاكل المدرسة الإدارية وضعف مستوى التعلم بها بالإضافة لكثرة نفقاتها. فاستدعى ناظرها القمص ميخائيل مينا البرموسي وعرض عليه الشكوى، فقرر وقتها الناظر الاستغناء من عدد من المدرسين لتوفير النفقات، والاستعانة بابن أخيه السيد أنطونيوس عبد المسيح (القس أغابيوس البرموسي، لاحقًا) لتدريس أكثر من مادة بنفقات أقل.
اقتراح رسامة أسقف للتعليم اللاهوتي:
وتناول المجلس من يصلحون لإدارة المدرسة إذا تخلّى عنها ناظرها... فاجتمعت كلمتهم على أن يكون الناظر العتيد، حبرًا برتبة الأسقفية، يختاره غبطة البابا من بين مطارنة الإبرشيات. وإذا تعذّر الأمر في ذلك، فليُرسَم لها أسقف من الرهبان يديرها ويدير المدرسة الإكليريكية معها. وهكذا نشأت الفكرة الأولى لتأسيس أسقفية عامة للتعليم، والتي نُفِّذت بالفعل في عهد القديس البابا كيرلس السادس برسامة مثلث الرحمات الأنبا شنوده (قداسة البابا شنوده الثالث فيما بعد) أسقفًا للتعليم في 30 سبتمبر 1962م.
تجديد الطلب في عهد البابا يوساب الثاني سنة 1948:
وفي سنة 1948م تجدد الطلب مرة أخرى، فرشح بعض المطارنة، الأنبا لوكاس مطران منفلوط لأنه في خلال خدمته للإيبارشية أدار المدارس التابعة لمطرانيته إدارة ناجحة. وقد أنشأ مدرسة لاهوتية في إيبارشيته. يليه أنبا ميخائيل مطران أسيوط الذي شهد له قداسة البابا يوساب بالثقافة والإدارة الحازمة. فالأنبا كيرلس مطران قنا لأنه يدير مدارس ثانوية ناحجة. ثم أنبا أرسانيوس (الثاني) أسقف دير الأنبا بولا وقد كانت إدارته لهذه المدرسة اللاهوتية بحلوان مضرب الأمثال في الدقة والنظام. والأنبا مرقس مطران أبو تيج وكان يدير مدارس ثانوية ناجحة في إيبارشيته فضلًا على أنه من أوائل خريجي هذا المدرسة الذين رُسِموا مطارنة. والأنبا باخوميوس أسقف الدير المحرق لأنه أدار مدرسة لاهوتية بديره قبل الأسقفية، كما عرف عنه التبحُّر في علم اللاهوت. وكذلك سميه أسقف النوبة وأم درمان الذي أدار هذه المدرسة حينما كان طالبًا بها إدارة صالحة.
أما الرهبان، فقد أجمع المطارنة وقتها على ترشيح حضرات الآباء: القمص صموئيل تاوضروس السرياني والقمص فرنسيس البرموسي والقمص متياس الأنطوني سكرتير قداسة البابا (الأنبا يوأنس مطران الجيزة والقليوبية ومركز قويسنا، لاحقًا) والقمص أيوب الأنبا بيشوي السكرتير المساعد (الأنبا مرقس أسقف جنوب أفريقيا، لاحقًا). والقمص متى جندي المحرقي (الأنبا بطرس مطران أخميم وساقلته، لاحقًا)، الذي كان طالبًا بالسنة النهائية بالمدرسة وقتها.
تشكيل لجنة لرفع مستوى المدرسة:
أصدر المجمع المقدس المنعقد برئاسة البابا يوساب الثاني وبحضور كل المطارنة والأساقفة بتاريخ أول أكتوبر 1952م، قرارًا بتشكيل لجنة للعمل على رفع مستوى المدرسة، وأعضاء اللجنة هم: أنبا ميخائيل مطران أسيوط وأنبا باخوميوس أسقف الدير المحرق وأنبا غبريال أسقف دير أنبا أنطونيوس. غير أن تلك المجهودات لم تسعف المدرسة، فبعد أن استمرت في العمل نيفًا وثلاثين سنة، تعطلت سنة 1961م، وأُجلِي الرهبان عنها، وجُعِلت غرفها نزلاً للطلبة المغتربين وبعض موظفي المصانع القريبة من حلوان.
من مشاهير خريجي المدرسة:
تتلمذ في هذه المدرسة عدد غير قليل من أحبار الكنيسة خلال القرن العشرين، على رأسهم القديس البابا كيرلس السادس الـ116، والأنبا مرقس مطران أبوتيج وطهطا، الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، والأنبا كيرلس مطران البلينا، والأنبا ثاوفيلس رئيس دير السريان، والأنبا أنطونيوس مطران سوهاج والمنشأة، والأنبا بطرس مطران أخميم وساقلته، والأنبا مينا مطران جرجا، والأنبا مكسيموس مطران القليوبية ومركز قويسنا، والأنبا أسطفانوس مطران أمدرمان وعطبرة، والأنبا مكاريوس أسقف قنا ونقاده وقوص، والأنبا فيلبس مطران الدقهلية وبلاد الشرقية، وغيرهم الكثيرون.