اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4929 يناير 2021 - 21 طوبه 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 3-4

اخر عدد

دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي بمحافظة البحيرة

29 يناير 2021 - 21 طوبه 1737 ش

في يوم السبت الموافق 16 يناير 2021م، زار قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، منطقة جبل القلالي، كانت حيث قام قداسته بتدشين الكاتدرائية الجديدة التي تم إنشاؤها بدير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي. وتحمل اسم السيدة العذراء والقديس مكاريوس السكندري.

وقد وصل قداسة البابا إلى الدير مساء يوم الجمعة 15 يناير 2021م، وكان في استقبال قداسته نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية، ورئيس الدير، ونيافة الأنبا إيساك الأسقف العام والمدبر الروحي لرهبان الدير، وعدد من رهبان الدير. وقد عقد قداسته مساءً جلسة مع رهبان الدير، وألقى عليهم كلمة روحية مناسبة للحياة الرهبانية من خلال مزمور 27، مع التركيز على الآية «واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس: أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي، لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرّس في هيكله». وتناول قداسته في كلمته المحاور التالية: (1) مبادئ الحياة الرهبانية التي نحياها. (2) جمال الحياة الرهبانية. (3) ماذا تمنح الرهبنة للإنسان؟ (4) الخطايا الثلاث.

وفي صباح يوم السبت دخل قداسة البابا إلى كاتدرائية السيدة العذراء والقديس مكاريوس لتدشينها، وإلى جواره نيافة الأنبا باخوميوس، وبحضور أصحاب النيافة، (1) الأنبا متاؤس أسقف ورئيس دير السريان، (2) الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي ورئيس دير القديس آفا فيني بملوي، (3) الأنبا دانيال أسقف المعادي سكرتير المجمع المقدس، (4) الأنبا مكاريوس الأسقف العام للمنيا وأبو قرقاص، (5) الأنبا صليب أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية، (6) الأنبا دوماديوس أسقف ٦ أكتوبر وأوسيم، (7) الأنبا إيساك الأسقف العام والمدبر الروحي للدير، (8) الأنبا ماركوس أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري ورئيس دير الشهيدة دميانة بالبراري، (9) الأنبا هرمينا الأسقف العام لكنائس شرق الإسكندرية (10) الأنبا بيجول أسقف ورئيس دير المحرق، (11) الأنبا ثاؤفيلس أسقف منفلوط، كما شارك في الصلوات القمص أبرآم إميل وكيل البطريركية بالإسكندرية وعدد من الآباء الكهنة، ومجمه رهبان الدير.

وتم تدشين مذابح الكاتدرائية، المذبح الأوسط على اسم العذراء مريم والقديس مكاريوس السكندري، والمذبح البحري على اسم الشهيد مارمينا والقديس البابا كيرلس السادس، والمذبح القبلي على اسم القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة والقديس تادرس تلميذه، بجوار تدشين حامل الأيقونات والمعمودية.

وقد ألقى قداسة البابا كلمة عقب تدشين الكاتدرائية عبّر فيها عن فرحته بهذا العمل، وأثنى على جهود صاحبي النيافة الأنبا باخوميوس والأنبا إيساك في تعمير الدير رهباميًا ومعماريًا، رغم بُعد المكان وصعوبة نقل مواد البناء. كما قام نيافة الأنبا باخوميوس مطران بإلقاء كلمة شكر فيها قداسة البابا على تشجيعه المستمر لإتمام هذا العمل.

وعقب ذلك بدأت صلوات القداس الإلهي، وألقى قداسة البابا عظة القداس، وأشار إلى أن اليوم (٨ طوبه-١٦ يناير) هو تذكار تدشين الكنيسة الكبيرة في دير القديس مكاريوس الكبير في زمن حبرية البابا بنيامين الأول (٨٨) في القرن السابع الميلادي.

عظة قداسة البابا في قداس تدشين الكاتدرائية

هذا يوم فرح أيها الأحباء أن نحتفل جميعًا في هذا التذكار يوم ٨ طوبه الموافق ١٦ يناير بتدشين هذا الكاتدرائية في برية القلالي في هذا الدير، وهو يوم فرح أيضًا أن نحتفل بهذا التذكار الذي ذُكِر في السنكسار وهو تدشين الكنيسة الكبيرة في دير القديس مكاريوس الكبير في زمن حبرية البابا بنيامين الأول رقم ٨٨ في القرن السابع الميلادي، وهكذا يتواصل التاريخ. أريد أن أتحدث معكم عن ثلاثة عناوين:

١- لنا تاريخ مجيد:

نحن في هذه البقعة أيها الأحباء التي عاش فيها الأجداد، وعاش فيها قديسون، وارتفعت فيها صلوات، وامتدات وانتشرت، ثم جاءت ظروف وتوقفت الحياة الرهبانية في هذه المنطقة وانتقلت إلى منطقة أخرى. هذه البرية -برية القلالي- لها تاريخ عظيم، وها نحن نحتفل بالقديس مكاريوس السكندري، ونحتفل بقديسين عظام عاشوا ورفعوا صلوات من القرن الخامس والسادس، وإن كانت توقفت بعد حين وانتقل الرهبان إلى منطقة أخرى، لكن صارت هذه المنطقة مُشبَّعة بروح الآباء وروح النُسّاك الذين عاشوا فيها. وها هي الصلوات تُحيي لنا مكانًا مقدسًا. التاريخ المجيد يمثّل الجذور التي لنا، والشجرة التي لها جذور قوية في الزمن والتاريخ، هكذا نحن في كنيستنا، وينطبق علينا الكلمة التي نصليها في المزمور الأول «فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ». لنا هذه الجذور من آباء قدموا الدموع والصلوات عبر الأجيال، وعاشوا في البراري والمغاير وشقوق الأرض، عاشوا وحملوا أتعابًا وآلامًا كثيرة، ولكنهم كانوا مخلصين لذلك. وها هي صلواتهم تتجدّد، وتنشئ مواضع مقدسة، ونحن اليوم في القرن الـ٢١.

ولا أتكلم على هذه البقعة فقط، بل على الرهبنة التي امتدات من هذه المنطقة إلى برية شيهيت في وادي النطرون، ثم البراري المقدسة الموجودة في مصر، والأديرة التي نشأت. تاريخ عظيم.. ونحن نذكر هذا التاريخ لكي نقوّي إيماننا، وإيماننا هو الشجرة المغروسة بالحقيقة على مجاري المياه. وربما عاش هنا قديسون لا نعرف أسماءهم أو أعمالهم أو كتابتهم، ولكن الله يعرفهم، وصارت هذه السير المقدسة من أجلنا جميعًا. هذه البرية التي عاش فيها قديسون ونساك كانوا أمناء ومخلصين في حياتهم، فأثمرت صلواتهم الكثيرة مما نراه اليوم.

٢- لنا حاضر فريد:

نيافة الأنبا باخوميوس -الله يعطيه الصحة والعمر الطويل، ويمتعه بخدمته وثمر تعبه- لم تشغله رعاية إيبارشية كبيرة لم تكن موجودة من قبل، فإيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية لم تكن موجودة قبل رسامة الأنبا باخوميوس، وكانت البحيرة جزءًا من إيبارشية الغربية أو إيبارشية طنطا، ولكن عندما سيم لهذه الإيبارشية الجديدة كانت الإمكانيات ضعيفة للغاية، ولكنه اهتم بهذه الرعاية بكل أماكنها سواء في البحيرة أو مطروح أو شمال أفريقيا؛ لكن لم يبتعد أبدًا عن الحياة الرهبانية ولا عن الفكر الرهباني أو مبادئ الرهبنة، وكان يحلم كثيرًا أن يكون هناك دير في الإيبارشية رغم أنه يقع في نطاقها الجغرافي أديرة وادي النطرون وبعض أديرة الخطاطبة. ورفع هذا الاشتياق في صلوات كثيرة، واستجاب له الله وأعطاه الله أن يجدّد هذه البرية، ويجعل لنا فيها حاضرًا فريدًا.

ونحن اليوم أتينا لنفرح مع الأنبا باخوميوس في هذه البرية الجديدة، وأنه يحيي الحياة فيها بهذه الكاتدرائية العظيمة في حجمها وفي مكانتها، وهذا يعلمنا كيف نعي هذه النعم الكثيرة. وعلى الرغم من أننا نعيش في أزمنة وباء ومرض، ورغم بُعد المكان، ورغم أن المكان صحراء، ولكن الله تمجّد، ونشأ في هذا الحاضر الفريد دير عظيم ويحمل اسمًا عظيمًا، وهذا كله يفرحنا. وهذا الحاضر الفريد يجعلنا نشكر الله على كل نعمه.

عمل مع الأنبا باخوميوس مئات من الناس من الآباء والأحباء والمهندسين والفنيين ليكمل هذا العمل الذي يمجد الله، وعندما ندخل الدير ونرى منارات الدير والحياة في هذا الدير، لا نملك إلّا أن نقف أمام الله ونشكره على عطاياه... نشكرك يا رب أن الحياة في هذا المنطقة تحيا من جديد بعد توقفها. نشكرك يارب لأن عينك علينا ويدك معنا من أول السنة إلى آخرها، ومن أول العمر إلى آخره، تدبر أمور حياتنا وتهيّئ طريقنا لأنك إله خلاصنا، وهذا يفرحنا للغاية.

وننتهز هذه الفرصة باسم كل الآباء الحضور معنا لنشكر نيافة الأنبا باخوميوس على تعبه ومجهوده، والله يعطيه العمر الطويل، ونحن في السنة الخمسين لسيامته أسقفًا للبحيرة. قد نعمت البحيرة من زمن البابا شنوده الثالث في أول رسامة أسقفية أن يكون نصيبها نيافة الأنبا باخوميوس، واليوم يُعتبر العيد المحلّي لهذه الكنيسة، هو يوم تدشين الكنيسة، ويصبح تاريخ ميلادها ويحتفل به سنويًا.

٣- وينتظرنا مستقبل سعيد:

إذا كان الماضي والحاضر بهذه الصورة، فأرى بروح الإيمان والرجاء أننا ننتظر مستقبلًا سعيدًا، وأقصد به الحياة الرهبانية والآباء في هذا الدير. الرهبنة هي أغلى جوهرة في الكنيسة، ومن الرهبنة ترتفع الصلوات والتسبيح وتسند الكنيسة، ونمو الكنيسة في نمو الحياة الرهبانية، لذلك المستقبل السعيد أن يكون لنا دير في هذه المواقع المقدسة، وأن يعيش فيه آباء رهبان مباركين يحيون في حياة روحية، وهذا شيء مهم جدًا لأننا نحتاج القامات الروحية، فمن الرهبنة والآباء والبرية نأخذ القدرة والحكمة والنعمة، ونأتي الدير لنأخذ البركة، وهي حياة الآباء وسيرتهم وقامتهم الروحية وسلوكياتهم والحكمة التي يعيشون بها، نفوس مُخصصة مُدشنة من أجل الله، وتحمل قلوب وعقول نقية تفكر في الله كل وقت وتعيش فيه.

عندما تكون لدينا رهبنة قوية يكون لنا مستقبل سعيد، لأن الرهبنة هي التي تسند الكنيسة، لذلك يا إخوتي الأحباء في هذا اليوم المفرح نسعد أمام الله، ولا نملك إلّا أن نشكره ونمجده ونسبح اسمه القدوس الذي أعطانا كل هذه النعم: اعطانا الماضي المجيد، والحاضر الفريد، ويعطينا المستقبل السعيد.

نهنئ نيافة الأنبا باخوميوس ونيافة الأنبا إيساك وكل الآباء في هذا الدير، ونتمنى أن يكون دير له رائحة المسيح الزكية ورائحة بخور البرية. نصلي أن يحفظ الرب الجميع، ويعطينا دائمًا أن نمجده في كل حين. نصلي من أجل هذا المكان المقدس، ومن أجل الآباء أن يعطيهم الله البركة والنعمة والعافية والسلامة، ونصلي من أجل العالم كله أن يرفع الله هذا الوباء الذي يدمر مواضع كثيرة، ولكن لنا رجاء في الله أن يرفع هذا المرض وهذا الألم عن العالم كله. يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية يرانا في احتياج إليها، ويعطينا أن نمجده على الدوام، وأن يحفظنا في اسمه القدوس إلى النفس الأخير، لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.

دير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي بمحافظة البحيرة

تحظى إيبارشية البحيرة بقدر كبير من التراث الآبائي والتاريخي..

هذا يوم فرح أيها الأحباء أن نحتفل جميعًا في هذا التذكار يوم ٨ طوبه الموافق ١٦ يناير بتدشين هذا الكاتدرائية في برية القلالي في هذا الدير، وهو يوم فرح أيضًا أن نحتفل بهذا التذكار الذي ذُكِر في السنكسار وهو تدشين الكنيسة الكبيرة في دير القديس مكاريوس الكبير في زمن حبرية البابا بنيامين الأول رقم ٨٨ في القرن السابع الميلادي، وهكذا يتواصل التاريخ. أريد أن أتحدث معكم عن ثلاثة عناوين:

١- لنا تاريخ مجيد:

نحن في هذه البقعة أيها الأحباء التي عاش فيها الأجداد، وعاش فيها قديسون، وارتفعت فيها صلوات، وامتدات وانتشرت، ثم جاءت ظروف وتوقفت الحياة الرهبانية في هذه المنطقة وانتقلت إلى منطقة أخرى. هذه البرية -برية القلالي- لها تاريخ عظيم، وها نحن نحتفل بالقديس مكاريوس السكندري، ونحتفل بقديسين عظام عاشوا ورفعوا صلوات من القرن الخامس والسادس، وإن كانت توقفت بعد حين وانتقل الرهبان إلى منطقة أخرى، لكن صارت هذه المنطقة مُشبَّعة بروح الآباء وروح النُسّاك الذين عاشوا فيها. وها هي الصلوات تُحيي لنا مكانًا مقدسًا. التاريخ المجيد يمثّل الجذور التي لنا، والشجرة التي لها جذور قوية في الزمن والتاريخ، هكذا نحن في كنيستنا، وينطبق علينا الكلمة التي نصليها في المزمور الأول «فَيَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ». لنا هذه الجذور من آباء قدموا الدموع والصلوات عبر الأجيال، وعاشوا في البراري والمغاير وشقوق الأرض، عاشوا وحملوا أتعابًا وآلامًا كثيرة، ولكنهم كانوا مخلصين لذلك. وها هي صلواتهم تتجدّد، وتنشئ مواضع مقدسة، ونحن اليوم في القرن الـ٢١.

ولا أتكلم على هذه البقعة فقط، بل على الرهبنة التي امتدات من هذه المنطقة إلى برية شيهيت في وادي النطرون، ثم البراري المقدسة الموجودة في مصر، والأديرة التي نشأت. تاريخ عظيم.. ونحن نذكر هذا التاريخ لكي نقوّي إيماننا، وإيماننا هو الشجرة المغروسة بالحقيقة على مجاري المياه. وربما عاش هنا قديسون لا نعرف أسماءهم أو أعمالهم أو كتابتهم، ولكن الله يعرفهم، وصارت هذه السير المقدسة من أجلنا جميعًا. هذه البرية التي عاش فيها قديسون ونساك كانوا أمناء ومخلصين في حياتهم، فأثمرت صلواتهم الكثيرة مما نراه اليوم.

٢- لنا حاضر فريد:

نيافة الأنبا باخوميوس -الله يعطيه الصحة والعمر الطويل، ويمتعه بخدمته وثمر تعبه- لم تشغله رعاية إيبارشية كبيرة لم تكن موجودة من قبل، فإيبارشية البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية لم تكن موجودة قبل رسامة الأنبا باخوميوس، وكانت البحيرة جزءًا من إيبارشية الغربية أو إيبارشية طنطا، ولكن عندما سيم لهذه الإيبارشية الجديدة كانت الإمكانيات ضعيفة للغاية، ولكنه اهتم بهذه الرعاية بكل أماكنها سواء في البحيرة أو مطروح أو شمال أفريقيا؛ لكن لم يبتعد أبدًا عن الحياة الرهبانية ولا عن الفكر الرهباني أو مبادئ الرهبنة، وكان يحلم كثيرًا أن يكون هناك دير في الإيبارشية رغم أنه يقع في نطاقها الجغرافي أديرة وادي النطرون وبعض أديرة الخطاطبة. ورفع هذا الاشتياق في صلوات كثيرة، واستجاب له الله وأعطاه الله أن يجدّد هذه البرية، ويجعل لنا فيها حاضرًا فريدًا.

ونحن اليوم أتينا لنفرح مع الأنبا باخوميوس في هذه البرية الجديدة، وأنه يحيي الحياة فيها بهذه الكاتدرائية العظيمة في حجمها وفي مكانتها، وهذا يعلمنا كيف نعي هذه النعم الكثيرة. وعلى الرغم من أننا نعيش في أزمنة وباء ومرض، ورغم بُعد المكان، ورغم أن المكان صحراء، ولكن الله تمجّد، ونشأ في هذا الحاضر الفريد دير عظيم ويحمل اسمًا عظيمًا، وهذا كله يفرحنا. وهذا الحاضر الفريد يجعلنا نشكر الله على كل نعمه.

عمل مع الأنبا باخوميوس مئات من الناس من الآباء والأحباء والمهندسين والفنيين ليكمل هذا العمل الذي يمجد الله، وعندما ندخل الدير ونرى منارات الدير والحياة في هذا الدير، لا نملك إلّا أن نقف أمام الله ونشكره على عطاياه... نشكرك يا رب أن الحياة في هذا المنطقة تحيا من جديد بعد توقفها. نشكرك يارب لأن عينك علينا ويدك معنا من أول السنة إلى آخرها، ومن أول العمر إلى آخره، تدبر أمور حياتنا وتهيّئ طريقنا لأنك إله خلاصنا، وهذا يفرحنا للغاية.

وننتهز هذه الفرصة باسم كل الآباء الحضور معنا لنشكر نيافة الأنبا باخوميوس على تعبه ومجهوده، والله يعطيه العمر الطويل، ونحن في السنة الخمسين لسيامته أسقفًا للبحيرة. قد نعمت البحيرة من زمن البابا شنوده الثالث في أول رسامة أسقفية أن يكون نصيبها نيافة الأنبا باخوميوس، واليوم يُعتبر العيد المحلّي لهذه الكنيسة، هو يوم تدشين الكنيسة، ويصبح تاريخ ميلادها ويحتفل به سنويًا.

٣- وينتظرنا مستقبل سعيد:

إذا كان الماضي والحاضر بهذه الصورة، فأرى بروح الإيمان والرجاء أننا ننتظر مستقبلًا سعيدًا، وأقصد به الحياة الرهبانية والآباء في هذا الدير. الرهبنة هي أغلى جوهرة في الكنيسة، ومن الرهبنة ترتفع الصلوات والتسبيح وتسند الكنيسة، ونمو الكنيسة في نمو الحياة الرهبانية، لذلك المستقبل السعيد أن يكون لنا دير في هذه المواقع المقدسة، وأن يعيش فيه آباء رهبان مباركين يحيون في حياة روحية، وهذا شيء مهم جدًا لأننا نحتاج القامات الروحية، فمن الرهبنة والآباء والبرية نأخذ القدرة والحكمة والنعمة، ونأتي الدير لنأخذ البركة، وهي حياة الآباء وسيرتهم وقامتهم الروحية وسلوكياتهم والحكمة التي يعيشون بها، نفوس مُخصصة مُدشنة من أجل الله، وتحمل قلوب وعقول نقية تفكر في الله كل وقت وتعيش فيه.

عندما تكون لدينا رهبنة قوية يكون لنا مستقبل سعيد، لأن الرهبنة هي التي تسند الكنيسة، لذلك يا إخوتي الأحباء في هذا اليوم المفرح نسعد أمام الله، ولا نملك إلّا أن نشكره ونمجده ونسبح اسمه القدوس الذي أعطانا كل هذه النعم: اعطانا الماضي المجيد، والحاضر الفريد، ويعطينا المستقبل السعيد.

نهنئ نيافة الأنبا باخوميوس ونيافة الأنبا إيساك وكل الآباء في هذا الدير، ونتمنى أن يكون دير له رائحة المسيح الزكية ورائحة بخور البرية. نصلي أن يحفظ الرب الجميع، ويعطينا دائمًا أن نمجده في كل حين. نصلي من أجل هذا المكان المقدس، ومن أجل الآباء أن يعطيهم الله البركة والنعمة والعافية والسلامة، ونصلي من أجل العالم كله أن يرفع الله هذا الوباء الذي يدمر مواضع كثيرة، ولكن لنا رجاء في الله أن يرفع هذا المرض وهذا الألم عن العالم كله. يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية يرانا في احتياج إليها، ويعطينا أن نمجده على الدوام، وأن يحفظنا في اسمه القدوس إلى النفس الأخير، لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.

1- نشأت الرهبنة القبطية وترعرت فوق أرضها: من نتريا القريبة من مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، إلى منطقة القلالي القريبة من الصحراء، إلى شيهيت (ميزان القلوب). وعاش في براريها رهبان وراهبات أتقنوا النسك، والصلاة، والعبادة القلبية، والحياة الفاضلة، ومحبة الله من كل القلب أمثال: مكاريوس الكبير، والسكندري، وآمون، وبامو، وغيرهم، وأسسوا قلاع الروحانية التي ألهبت قلوب الشباب والعذارى فاندفعوا جماعات إلى الصحراء ينشدون هذه الحياة.

2- وقد بهرت هذه الحياة محبي الرهبنة، وعشاق الحياة الروحية الرفيعة، فجاءوا رجالًا ونساءً من جميع أطراف الأرض، ونهلو من منابع هذه الروحانية الأصيلة، وأفاضوا أنهار ماء الحياة على شعوب العالم، أمثال: روفينوس الإيطالي، وميلانيا الأسبانية، وجيروم صاحب (الفولجاتا)، والقديسة باولا من إيطاليا، وبالليديوس صاحب التاريخ المشهور باسم «التاريخ اللوزياكي»، وغيرهم كثير. وهكذا كانت إيبارشية البحيرة –كما كانت مصر- بركة لكل العالم.

3- ولعبت هذه الأديرة دورًا هامًا في الحفاظ على التراث القبطي: كاللغة القبطية وطقوس الصلاة بالكنيسة، وقداساتها، وألحانها.. كما حافظت على عمارة الأديرة، وكنائسها، وحصونها، وأسوارها، ومرافقها، لتظل شاهدة على هذا التاريخ المجيد.

وعلى منهج الآباء يسير نيافة الأنبا باخوميوس الذي أثمرت خدمته عن اكتشاف وإحياء دير الأنبا مكاريوس السكندري بجبل القلالي بالبحيرة، بعد اندثاره ما يقرب من 1200 سنة، ليعرف هذا الجيل عظمة أجدادهم، فيفتخرون بإلههم وقديسيهم وكنيستهم العريقة، ويسيروا على آثارهم.

القديس مكاريوس السكندري

+ هو أحد الثلاثة مقارات القديسين الذين يأتي ذكرهم في القداس الإلهي وهم: القديس مكاريوس الكبير أو أبو مقار المصري، والقديس مكاريوس السكندري، والقديس مكاريوس أسقف إدكو. وقد عاصر القديس مكاريوس الكبير، وتمييزًا له عنه أُطلِق عليه اسم مكاريوس الصغير، ويُلقّب أيضًا بأنبا مقاره الإسكندراني (أنبا مقار – أبو مقار السكندري)، وكان أبًا ومرشدًا لجميع القلالي القريبة من الإسكندرية، ودُعي أب جبل القلالي. وقد بلغ أتباعه من المتوحدين خمسة آلاف شخصًا يتعلمون من فضيلته وقداسته.

+ وُلد بالإسكندرية حوالي عام 296م من والدين فقيرين. اشتغل خبازًا يصنع الحلويات والفطائر بضع سنين. كان قصير القامة، له شارب رفيع ولحية بسيطة في شبابه المبكر.  + صار مسيحيًا وتعَمّد في الأربعين من عمره، ثم ترك كل شيء في العالم وذهب إلى القديس أنطونيوس وتتلمذ على يديه، ثم ذهب إلى منطقة نتريا وتتلمذ على يد القديس بامو (بموا) خليفة الأنبا آمون الكبير، وتعمق في حياة النسك والعبادة. + كان خفيف الظل شخصيته مرحة جدًا، يجذب الآخرين نحوه فيأتون إليه ويبتهجون بحضوره. وكان نشيطًا وله غيرة نارية في التمثل بأعظم النساك في التقشف واقتناء الفضائل، فما أن يسمع أن أحد تلاميذه أو أحد النساك له فضيلة ما إلا ويدرّب نفسه عليها ويُكملها، حتى أتقن معظم الفضائل.  + سيم أبو مقار السكندري قسًا سنة 355م، وبعد ذلك توجه إلى الصحراء المجاورة للإسكندرية إلى كيليا أو سيليا (منطقة جبل القلالي – وسُمِّيت كذلك بسبب كثرة القلالي التي أنشأها تلاميذه في هذا المكان)، وكانت قفرًا موحشًا بين نتريا والإسقيط.  + وهبه الله مواهب شفاء الأمراض وإخراج الشياطين، كما كان رحومًا حتى على الوحوش. + عندما اشتد الصراع بين الآريوسية والأرثوذكسية، قُبِض على القديسين مكاريوس الكبير ومكاريوس السكندري، ونفوهما إلى جزيرة وثنية بها مستنقعات سنه 375موعند عودتهما من المنفى، خرج الرهبان بالآلاف لاستقبالهما، وبلغ عددهم نحو خمسة آلاف راهب، وسجلت الكنيسة هذا الحدث في السنكسار يوم 13 برمهات. + تنيح القديس العظيم مكاريوس السكندري نحو 394م، بعد أن ناهز المائة عام، أمضى منها نحو أربعين عامًا في الإسكندرية، وأكثر من ستين عامًا في الرهبنة. + للقديس مكاريوس السكندري عدة قوانين طُبعت في باريس سنة 1637م، وله أيضًا رسائل عن نفوس الأبرار بعد الموت طُبعت في سويسرا سنة 1696.

ديـر جبـل القلالي

منطقة كيليا (جبل القلالي) قديمًا:

نشأت الرهبنة في جبل القلالي عندما زار الأنبا أنطونيوس منطقة نتريا لافتقاد الأنبا آمون وأولاده نحو منتصف صيف 335م، وعند انقضاء الزيارة قال الأنبا آمون للأنبا أنطونيوس: «بفضل صلواتك تزايد عدد الإخوة كثيرًا، وامتلأ المكان بالرهبان، ونخشى أن يفقد المكان هدوءه بسبب كثرة الرهبان، والبعض يرغب في بناء قلالي بعيدًا ليتمتعوا بالوحدة فبماذا تنصحنا؟». أجاب الأنبا أنطونيوس: «بعد أن نأكل وجبة الساعة التاسعة ننطلق إلى الصحراء لتحديد المكان المناسب»، وبعد أن أكلا طعامهما قام الأنبا أنطونيوس ومعه الأنبـا آمون وسارا معًا في الصحراء غربًا حتى غروب الشمس نحو أربع ساعات (كان ذلك في شهر يوليو تقريبًا). وقف الأنبا أنطونيوس في مكان فسيح وغرس صليبًا في الأرض ووقف يصلي ومعه الأنبا آمون وقال: «هنا يسكن أولادك محبو الوحدة والهدوء ويستطيعون أن يكونوا في تواصل معهم، فمن أراد أن يزور الآخر ينطلق بعد التاسعة فيصل قبل الغروب».. وهذه المسافة تبلغ 12ميلًا أي 19كم.

وقد اُختير الأب مكاريوس السكندري أبًا لجبل القلالي نظرًا لنموه الروحي ونسكياته وقبول الرهبان له.

وسريعًا ما بدأت الحياة الرهبانية كحياة توحد في هذه المنطقة، فعاش الرهبان المحبون للوحدة في منشوبيات بلا أسوار، و«المنشوبية» أي «مسكن» (للرهبان) من الكلمة القبطية ma`n]wpi، البعض منها يعيش فيها راهب واحد متوحد والبعض يعيش فيها نحو من 3 إلى 5 رهبان مع مرشدهم الروحي لكل منهم حجرته، وسقف المنشوبية عبارة عن قباب. وكانت كل منشوبية تبعد عن الأخرى مسافة كافية فلا يسمعون بعضهم البعض، كل منهم في وحدته مواظبًا على صلواته وتسبيحاته وقراءاته وعمله اليدوي، يتناول الراهب المتوحد فيها الطعام مرة واحدة في اليوم، ولا يرون بعضهم بعضًا إلا ليلة السبت حتى صباح الأحد حيث يفدون إلى الكنيسة يقيمون صلوات التسبحة والقداس الإلهي ويعودون إلى قلاليهم ثانية.

(1) صحراء (برية) نتريا عددها 50 منشوبية

(2) صحراء (برية) القلالي وعددها من600 إلى 1000منشوبية

+ ودير جبـل القـلالي عاش فيه كثير من القديسين منهم: الأنبا إيسيذورس الذي عُرِف برئيس بيت الضيافة بالإسكندرية وهو من جبل القلالي، والقديس بفنوتيوس الملقب بالبسيط، والقديس بيمن بعد أن قضى في شيهيت سبعين عامًا أتى إلى برية جبل القلالي، وأيضًا الأنبا شيشوي، وآخرون كثيرون توافدوا على جبل القلالي. وقد اشتهر الأنبا مكاريوس السكندري بالحياة النسكية التي جعلت منه معلمًا لآباء رهبان كثيرين.

+ وقد ظلت منطقة القلالي عامرة بالرهبان حتى القرن الثامن، حيث اندثرت الحياة الرهبانية من جبل القلالي بعد دخول العرب وتخريبها والسُكنى فيها، وبحلول القرن التاسع صارت مهجورة إذ رحل الرهبان إلى الإسقيط، فلم يخلّفوا وراءهم كتبًا أو مخطوطات أو أجساد قديسين.

جبل القلالي حـديثـًا..

+ أعاد نيافة الأنبا باخوميوس ملامح الحياة الديرية في جبل القلالي بعد 12 قرنًا من الزمان قد اندثرت فيها الحياة الرهبانية..

+ بدأت الخدمة في هذه المنطقة بعد سيامة نيافته أسقفًا بنحو إحدى عشر سنة، حوالي سنة 1982، وكانت موجهة للعمال العاملين في استصلاح الأراضي. وبخدمة نيافته بالمنطقة تعرّف على منطقة الآثار وتجول في المنطقة الأثرية.

+ بدأ نيافته ببناء كنيسة في سنة 1992م، ودعاها بإسم «كنيسة السيدة العذراء والقديس مكاريوس السكندري»، وتم سيامة كاهن يقوم على خدمتها ورعاية سكان المنطقة، وبدأت ملامح المنطقة تظهر أكثر حتى صار اليقين الكامل أنها منطقة القلالي، ولاسيما أنها تبعد نفس المسافة تقريبًا التي ذكرها التاريخ من قرية البرنوجي حيث كانت منطقة نتريا. وكانت هناك بعثتان سويسرية وفرنسية تقومان بعمل حفائر في المنطقة، ووضعتا خرائط للمنطقة وحددتا أماكن المنشوبيات، وقد تعرَّف نيافته علي البعثتين ودعاهما لزيارة المطرانية بدمنهور واطّلع على المراجع التي قاموا بكتابتها.

+ اكتملت ملامح الدير وتم الاعتراف به كأحد الأديرة القبطية العامرة في جلسة المجمع المقدّس برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني بتاريخ 5 يونيو 2014م، وهكذا عادت الحياة الرهبانية للمنطقة كسابق عهدها في القرون الأولى بعد مرور 1200 سنة من اندثارها.

وقد قام قداسة البابا تواضروس الثاني في صباح يوم الاثنين 19 فبراير 2018م، بأول زيارة لدير القديس مكاريوس السكندري بجبل القلالي، وقام قداسته بتشين كنيستين بالدير، وفي ختام الزيارة تفقد قداسة البابا المنطقة الأثرية بالدير برفقة نيافة الأنبا باخوميوس.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx