اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4926 فبراير 2021 - 19 امشير 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

صوم يونان رؤية أبائية

نيافة الأنبا بنيامين أسقف المنوفية

26 فبراير 2021 - 19 امشير 1737 ش

هذا الصوم يُعتبر مدرسة روحية، نتدرب فيها على أمور ومفاهيم قَصَدَ الله أن تظهر في هذا الحدث الذي نعيشه كل عام، ويتتلمذ الأجيال على هذه التعاليم التي قدمها لنا سفر يونان الذي قال عنه الآباء مثل القديس جيروم: "إن هذا السفر المقدس يُظهر بطريقة نبوية من خلال يونان النبي ومعنى اسمه (حمامة)، والروح القدس حين حلّ على السيد المسيح كان على شكل حمامة. وفي الوقت نفسه يونان النبي رمزٌ للسيد المسيح، فكما مكث يونان في الحوت ثلاثة أيام، هكذا مكث السيد المسيح ثلاثة أيام في القبر. وكما خرج يونان من الحوت حيًا، هكذا قام السيد المسيح من القبر مُعلنًا الحياة الأبدية". ويُعلق القديس أغسطينوس على عمل الله مع يونان النبي وأهل نينوى: "بقدر ما تسوء حالة المريض، يُمدح الطبيب الذي أعطاه الحياة". فلقد كشف سفر يونان عن محبة الله للنفس البشرية من الأمم كما اليهود أيضًا، مُعلنًا أنه إله الجميع، ومحبته لهم واضحة، ففيما كان رجل الله يونان نائمًا أيقظه البحارة الأمميون ليصرخ لإلهه لينقذهم، وحين اعترف لهم يونان النبي أنه هارب من الله، وبسبب هروبه هاج البحر وحدث هذا النوء، فآمنوا بالله وقدموا محاولة لإنقاذه بأن جذّفوا ليرجعوا بالسفينة إلى البر فلم يستطيعوا، لأن البحر كان يزداد اضطرابًا عليهم (يونان 1: 13). فأعد الرب حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان فكان في جوفه ثلاثة أيام، ويعلق القديس أغسطينوس: "إن مَنْ أشفق على الخاطئ وحفظه حيًا لن يتخلّى عنك".

وهذا هو موقف الله دائمًا لمحبته للبشر، يستخدم الخليقة غير العاقلة لإنقاذ الإنسان مهما كان خاطئًا، فالريح والنوء العظيم والحوت والدودة والشمس، كلها أدّت دورًا لإنقاذ يونان وهو هارب من الله حتى يقوده إلى خلاص أهل السفينة، وأهل نينوى، ثم يونان أخيرًا. ويقول القديس إكليمندس السكندري: "يستخدم الله اللغة الصارمة للتوبيخ، ولكن تعزياته تحول الإنسان إلى الطاعة بعد المعصية، مما يؤكد حب الله للجميع إذ يخلّص على كل حال قومًا، لذلك يقول الحكيم: «يا ابني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخُر إذا وبّخك، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، وكأب باِبن يُسَر به" (أم3: 11، 12)". ويقول القديس ذهبي الفم: "لقد هرب يونان من البرّ لكنه لم يهرب من غضب الله"، ويؤكد القديس يعقوب السروجي فيقول: "جاهد يونان ليهرب من الله ولا يذهب إلى نينوى، لكن الابن الكلمة المتجسد نزل ليحتمل الآلام ويخلص الخطاة".

ونرى من مثال يونان النبي تدرُّج عمل الله مع يونان النبي الهارب ليقوده للتوبة والطاعة: إذ بدأ الله بالبحارة ليسألوا يونان لماذا أنت نائم؟ قم اصرخ لإلهك، ثم من البحارة للبحر حيث ألقوه، ثم من البحر للحوت، ومن الحوت إلى نينوى.. وهكذا تكون رحلة الإنسان في مسيرته الروحية وقيادة الله له للتوبة الحقيقية والطاعة الكاملة.

وما أحلى نتائج هذه الرحلة إذ صلى يونان من جوف الحوت وقال: «حين أعيت فيّ نفسي ذكرت الرب». ويقول القديس جيروم: "حين رأى يونان النبي أن الله أغلق عليه في الحوت، صار رجاؤه في الله فقط، فقدم صلاة عميقة تفيض رجاء وإيمانًا، إذ يقول «لكني أعود أنظر إلى هيكل قدسك» (يونان 2: 4). هذا ما أكده السيد المسيح: «كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه»، فالله يسمع لنا حين نناديه في أي مكان". حقًا ليس المكان هو المهم في الصلاة، لكن مَنْ يصلي بإيمان حتى لو في جوف الحوت سيستجيب الله له. وهكذا في رحلة حديثنا رأينا حنو الله وحبه لنا ورغبته الصادقة في توبتنا وخلاصنا. فلنلجأ له فنجده.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx