في أعماق الإنسان -كما يقول الفلاسفة والمفكرون- "العطش والجوع إلى المطلق" أي إلى اللا نهائي. لذلك ففي أعماق الإنسان عطش إلى الخلود واللا نهاية. ويستحيل أن يشبع هذا العطش غير المحدود إلّا بكائن غير محدود هو الله متجسدًا في رب المجد يسوع، الذي يسكن في قلوبنا ويروي ظمأ نفوسنا وأرواحنا وعقولنا!
إن كل ما في هذا العالم محدود، ولهذا قال الرب للسامرية: «كل من يشرب من هذا الماء (الأمور المحدودة) يعطش أيضًا، ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا (ماء الحياة الأبدية)، فلن يعطش إلى الأبد» (يو4: 13، 14).
من هنا كانت محاولات الارتواء والشبع الإنساني، من الأمور المحدودة، فاشلة وغير كافية، فمثلًا:
أ- قد يجتهد إنسان في جمع المال، ولكنه حتى بعد أن يصير مليارديرًا لا يشبع، ويطلب المزيد، ولا يحس بالكفاية!
ب- وآخر قد يجتهد في تحصيل العلم، فيحصل على شهادات دكتوراه كثيرة، ولكنه يظل يطلب المزيد، كما قال "اينشتاين": "كلما ازددت علمًا، ازددت إحساسًا بالجهالة"، وكما قال نيوتن: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم".
ج- وقد يجتهد آخر في الفكر والفلسفة، ويحاول أن يسبر أغوار الحياة، والخليقة، وما قبلها، وما بعدها، والموت، وماذا بعد الموت.. ولا يشبع.. بل يقف عاجزًا وحائرًا، فالعقل المحدود، كيف يستوعب الله غير المحدود؟!
د- وقد ينغمس آخر في ممارسة الخطيئة، دون أن يشبع إطلاقًا، بل يتحول إلى "الإدمان الجنسي"، وهو نوع من الأمراض يجتاح العالم الآن (Sex Addiction). وكلمة (Addiction) مستمدة من كلمة (Add) أي "زيادة"، فهو يزيد الجرعة باستمرار، ودون شبع أو اكتفاء..
وهنا يظهر رب المجد يسوع، ليشبع نفوسنا وقلوبنا وأرواحنا، بشخصه اللا نهائي غير المحدود، فلا نشعر بالحاجة إلى شيء، بل وحتى إلى شخص، أو موقع، فالمسيح يصير شبعنا اللا نهائي، كما كان لآبائنا القديسين الذين تركوا العالم والمادة وكل المحدودات، وشبعوا بغير المحدود. انحلّوا عن الكل، ليتحدوا بالواحد. وصار شعارهم - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث:
- لست أريد شيئًا من العالم، فليس في العالم شيء اشتهيه.
- لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني.
- لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم.
- لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات الخالدات.
- لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه.
فليعطِنا الرب أن يكون هو وحده مصدر شبعنا وارتوائنا.