اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4913 أغسطس 2021 - 7 مسرى 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

العـذراء والتكريـس

الأنبا تكلا - اسقف دشنا

13 أغسطس 2021 - 7 مسرى 1737 ش

السيدة العذراء نموذج حي للتكريس الصادق للمسيح، إذ أعطت في حياتها الممارسة العملية لمبادئ التكريس الثلاثة (العفة والطاعة والفقر الاختياري).

أولًا: العذراء العفيفة

إن التكريس يبدأ بالعفة، والعفة لغويًا مصدرها (عَفّ) أي ترفّع دون إعلاء. والمُكرَّس أيًّا كان نوع تكريسه يلزمه أن يكون عفيفًا كل أيام حياته، وأمنا العذراء عاشت في طهارة حقيقية بدأت في أعماقها، وهذا ما جعلها الإناء المختار لحمل معلم ومنبع الطهارة.

ثانيًا: العذراء المطيعة

أظهر التكريس في حياة العذراء نوعًا عجيبًا من الطاعة اللازمة لكل مَن يهوى طريق التكريس وتبعية الرب، فقد كانت مطيعة للأوامر الإلهية إلى أبعد حد:

- كانت مطيعة في بقائها بالهيكل بعيدًا عن والديها، بعيدًا عن حياة العالم التي يحياها كل طفل.

- كانت مطيعة في خروجها من الهيكل وإيداعها لرجل عجوز في سن جدها، وفقير.

- كانت مطيعة في دعوة السماء من خلال بشارة الملاك جبرائيل، فأجابت قائلة: «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك» (لو1: 38). الاستفسار قادها إلى الطاعة لا إلى المجادلات وعدم التصديق، فلم يكن من قبل ولن يكون من بعد مثل هذه الحالة (عذراء تحبل وتلد).

- كانت مطيعة في ذهابها إلى بيت لحم وهي متعبة، وولادتها في مذود للبقر.

- كانت مطيعة في هروبها مع يوسف النجار والطفل يسوع وسالومي، وفي عودتها، وفي ذهابها للناصرة.

- كانت مطيعة كذلك في السير وراء المسيح، لا تفرض عليه أمرًا، وإنما تحفظ كل الأمور متفكرة بها في قلبها.

- كانت مطيعة لابنها وهو على الصليب حيث أودعها عند تلميذه الحبيب يوحنا «ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته» (يو19: 27).

لقد أظهرت طاعة كاملة لله..

ثالثًا: العذراء الفقيرة

حقًا ما قاله الوحي الإلهي على لسان يعقوب الرسول: «أَمَا اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه؟ وأما أنتم فأهنتم الفقير» (يع2: 5–6). ما أمجد العذراء في ساحة الفقر الاختياري، عاشت وتربَّت في أحضان أسرة فقيرة، وتيتمت مبكرًا، ثم عاشت في الهيكل يُنفَق على طعامها واحتياجاتها من الهيكل.. ولما خُطِبت، اختار الله لها رجلًا نجارًا فقيرًا، لم يستطع أن يُقدِّم ذبيحة عن الطفل الذي وضعته العذراء سوى تقدمة الفقراء وهي زوج يمام أو فرخي حمام (لو2: 24؛ لا12: 2، 6، 8). حتى ابنها الذي ولدته وهو إله، ولدته في مذود بقر ومغارة فقيرة. وعندما صُلِب ابنها الحبيب لم يكن لها أين تقيم، فأخذها القديس يوحنا ليعولها. ولكن ما أغنى العذراء الفقيرة، إنها مصدر شبع للكثيرين بشفاعتها لدى ابنها.

هكـذا صارت أمنا العـذراء صورة للتكريس الذي عاشه رب المجد يسوع تاركًا لنا مثالًا لنتتبع خطواته، فقد عاش فقيرًا واصفًا نفسه «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (لو9: 58)، لا يملك مالًا و لكنه ينفق آخرون على خدمته، حتي حينما مات كفّنه يوسف الرامي ووضعه في قبر يملكه.

لقد حققت القديسة العـذراء مريم بحياتها أقوى نموذج للتكريس بالحياة حسب تعاليم ووصايا السيد المسيح، وصارت صورة قوية له محققة في ذاتها حياة العفة ونذر الطاعة إلى المنتهى، وعاشت حياة الفقر الاختياري ولكن في الوقت ذاته كان لسان حالها يقول «كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ» (2كو 6: 10)، فقد صارت أمًا وشفيعة للعالم أجمع...

بركة شفاعتها وطلبتها تكون معنا... آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx