اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4927 أغسطس 2021 - 21 مسرى 1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 33-34

اخر عدد

عظة الأربعاء ١٨ أغسطس ٢٠٢١م من المقر البابوي بالقاهرة "رسالة الفرح "٩": الاكتفاء"

قداسة البابا تواضروس الثانى

27 أغسطس 2021 - 21 مسرى 1737 ش

في نهاية الرسالة إلى أهل فيلبي، يعطينا بولس الرسول دروسًا عن الرضا والاكتفاء والقناعة.

«ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِالرَّبِّ جِدًّا لأَنَّكُمُ الآنَ قَدْ أَزْهَرَ أَيْضًا مَرَّةً اعْتِنَاؤُكُمْ بِي الَّذِي كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ، وَلكِنْ لَمْ تَكُنْ لَكُمْ فُرْصَةٌ» (في4: 10)

الخادم أمين على النفوس وعلى أيّة عطية يقدمها الله له. والكنيسة عندما تقيم خدامًا وآباء من أجل الخدمة في أماكن كثيرة، يؤتمن الأب الكاهن أو الخادم على النفوس التي هي أغلى شيء.

أحيانًا يفكر الناس فكرًا ترابيًا، يتكلمون عن الأموال كلامًا غير حقيقي فيه شكل من الاعتداء والكذب، لكن عدو الخير ينطق على أفواههم.

بولس الرسول لما كان معهم كانوا يقدمون عطاياهم التي يخدم بها، ولما سُجِن أيضًا جمعوا عطاياهم وأرسلوها مع خادمهم، وكان طريق طويل من فيلبي إلى روما لكي تصل العطايا.

وهنا كأنه زرع بذرة، والبذرة نبتت شجرة، وبعدها نبتت الزهور، وهذا دليل على اعتنائهم به، وهو اعتناء المخدومين بخادمهم.

«لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ» (4: 11)

أنا مكتفٍ بما تعلمته، تعلّمت أن أعيش بالقليل الموجود الذي أرسله ربنا لي وليس لديّ طلبات معينة.

حين نشأت الحياة الرهبانية، أحد مبادئها كان الفقر الاختياري، أي أن الإنسان يتعلم الاكتفاء. أحد القديسين كان يعيش في البرية، ولما كان الناس يزورونه كانوا يعطونه هدية فيرفض أن يأخذها، ويقول: أنا مكتفٍ بما عندي، فيمضي الناس متضايقين، ويذهب آخرون يطلبون منه بركة، فيقول لهم: أنا لا أمتلك شيئًا، فينصرفون متضايقين، فوقف يصلي بدموع لربنا ويقول له: الناس الذين يأتون وتقدم لي هدية، يمضون متضايقين لأني لا آخذ هذه الهدية، والناس الذين يأتون لطلب بركة، ينصرفون أيضًا متضايقين لأنه ليس لديّ ما أعطيه لهم، هؤلاء يتضايقون وهؤلاء يتضايقون فماذا أعمل؟ فأرشده الله أن يتصرف ببساطة ونقاوة: من يقدم له شيئًا، يضعه في ركن، والذي يحتاج شيئًا، يقول له أن يأخذ ما يحتاجه من هنا.. والنتيجة هي فرح الناس.

يوجد إنسان يعيش وكل فكره في الأرض والتراب والامتلاك وحب القنية، وآخر تعلم الاكتفاء.

«أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ» (4: 12)

في كل الأحوال تدربت على ذلك؛ أشبع وأجوع وأكون بنفس المشاعر، والسر هو وجود المسيح في قلب الإنسان، هو الذي يعطيه الشبع في الحياة الروحية. والتدريبات في الحياة الروحية إحدى الوسائط الروحية للإنسان كيف يمارسها ويكبر فيها.

«أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (4: 13)

يريد أن يقول إن القوة من شخص المسيح نفسه، كأن المسيح يدخل داخل الإنسان ويقوّيه ويحركه. أمام الله لا يوجد مستحيل، هو فعلاً تعلم وتدرب لكن الذي يعطيه القوة هو المسيح رمز قوته وفرحته. مع الله لا توجد علامات استفهام، وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله، وقصص ومعجزات كثيرة، والتاريخ يشرح لنا أمورًا كثيرة كان لا ممكن أن تتم لكن الله تممها وكملها.

«غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَنًا إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي» (4: 14): ما أجمل الرعية التي تشارك راعيها في الضيقات.

«وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ الإِنْجِيلِ، لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ الْعَطَاءِ وَالأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ» (4: 15)

يتذكر حملهم القوي الجيد الذي قاموا به قبل ذلك لما اشتركوا معه في خدمة الإنجيل.. الخدمة لا تنجح إلا بالراعي والرعية، وما أجمل الراعي المتحد مع رعيته، والرعية التي صارت إكليلًا للراعي، وكلاهما يعملان مع بعضهما في محبة وتوافق وسلام.

«فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضًا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي» (4: 16): صورة لامعة عن خدمة الراعي لرعيته وشكل الارتباط الوثيق الموجود ما بين الاثنين.

«لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ» (4: 17)

مرة يكلمهم أنه يوجد زهور نبتت، وهنا يكلمهم عن الثمر الذي نتج منه، وكأن الشجر الذي زرعه أهل فيلبي نتج منه زهور وثمار.

أنتم تحيون في محبة كبيرة، وبالتالي نتج عنها ثمر، ليس شرطًا أن يكون عطية مادية، المهم يكون ثمر في خدمتكم، إحساس بالمسئولية، ومحبة تربط بين الراعي والرعية.

اليوم دور الراعي وغدًا دور الرعية والاثنان يعملان مع بعضهما.

بولس الرسول رسم لنا صورة وردية عن خدمة الراعي في وسط رعيته، وعندما يبعد عنهم مثل ظروف السجن هنا كيف تكون هذه العلاقة والإحساس؟

الخدمة الحقيقية هي خدمة أفعال لا مجرد كلام.

الزهرة عندما تنبت في أي نبات لا يُسمع لها صوت، وعندما تنبت في أي شجرة لا يُسمع لها صوت، لهذا ثمر البر يُزرع في سلام.

رعية مثل أهل فيلبي كانت حياتهم أفعال مش أقوال، فاِحذروا لا تكون الرعية في مكان يتكلمون كثير والكلام الكثير يضيّع كل ثمر عندهم.

الزهور والثمر نبتوا في هدوء وصمت، وعندما نضيء شمعة في الكنيسة تظل منورة وتسكب دموعها في صمت ولم يسمع لها صوت.

الهدوء والسلام هو الذي يجعل وجود للثمر، أما الضوضاء والصخب والكلام الكثير يضيع كل ثمر.

انتبهوا في كل رعية، في بعض الأماكن يخدم الأب الكاهن سنين طويلة، وحين نختار آخر ليكون كاهنًا لكي يساعده، نجد الصخب الذي لا ينتهي.

«وَلكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ» (4: 18)

الذي أرسلتموه أنا قبلته بمحبة، ويقول عن العطية التي قدموها «نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ»، كأنكم قدمتم ذبيحة مقبولة عند الله، ثمرة محبة وفضيلة تعيشونها لها نسيم رائحة طيبة، وبتقدمتهم صاروا شركاء في الخدمة وذبيحة مقبولة ومرضية عند الله، فهو قدم لهم التشجيع والمدح على المحبة التي خلف العطية.

«فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (4: 19)

إلهي يسدد كل احتياجي عندما أصلي لكم أن يملأ كل احتياجاتكم بحسب غناه في المجد ويبارك حياتكم.

الدروس الروحية في الرسالة:

+ الله يعتني بالإنسان عناية فائقة في كل الأحوال.

+ قوة الله لا تفشل أبدًا، وتُبنى على المحبة التي لا تسقط أبدًا، وتصنع من الإنسان كل شيء يعجز الإنسان عن تصوره أو يفكر فيه.

+ عندما نزرع شجرة تبدأ تمد جذورها في الأرض باحثة عن المياه والأملاح المطلوبة من أجل نموها، والبذور تلك مخفية ساق وأوراق والزهور والثمار.. وأهم جزء نحن لا نراه وهو الجزء الخفي في حياة الإنسان: إيمانه، فطالما إيمانك قوي لا نراه لكننا نراه في الشجرة وثمارها، هنا قوة الله يكون باستمرار ناجحًا وناميًا ومثمرًا ومزهرًا، والجذور تلك هي الإيمان القوي ومنه نستمد كل شيء الطاقة والمياه وكل عناصر الغذاء.

+ وعود ربنا لنا دائمًا صادقة في الاعتناء بنا، الإنجيل كله رسائل ووعود لنا فثق إنها صادقة ولا تتغير.

وفي نهاية الرسالة يبعث السلام من السجن لكل الذين كانوا يزوروه إن كان تيموثاوس أو لوقا الطبيب أو أبفرودتس.

السجن موجود في روما وهي مسكن قيصر الإمبراطور، والجنود حراس السجن لهم ورديات وكل مجموعة تقابل بولس يعلمهم عن المسيح، وبعدها يكملون حراستهم في بيت قيصر ويبدّلون الورديات، والنتيجة أن الذين كانوا جنودًا في بيت قيصر عرفوا عن السجين بولس الرسول والمسيح، وبذلك بيت قيصر أصبح فيه مؤمنون باسم المسيح، لذلك وضعه الله لأجل خدمة أخرى وهي خدمة الناس الموجودة في بيت قيصر. وكأنه وهو سجين فاقد حريته نراه يقوم بكرازة في بيت قيصر.

رسالة بولس الرسول كثيفة من المعاني الروحية وشرحت لنا موضوعات لاهوتية وعقائدية ورعوية وتقدم لنا صورة جميلة بين الراعي والرعية.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx