اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4919 نوفمبر 2021 - 10 هاتور 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 45-46

اخر عدد

حياة العمق

الأنبا تكلا - اسقف دشنا

19 نوفمبر 2021 - 10 هاتور 1738 ش

إن الدخول إلى العمق دعوة إلهية، فحينما تعب بطرس الذي كان صيادًا ماهرًا صاحب خبرة في الصيد لسنوات طويلة، وكان يعلم أن الصيد يكون بالأكثر في الليل، تعب الليل كله ولم يصطد سمكة، وهنا دعاه رب المجد أن يدخلوا إلى العمق وهناك يلقوا شباكهم. وحينما اعتمد بطرس على كلمة الرب اصطاد سمكًا وفيرًا حنى كادت الشباك أن تتخرّق، وبذلك صارت هذه المعجزة وما حدث فيها درسًا لنا جميعًا، فإن الاكتفاء بالجلوس عند الشاطئ لا يفيد شيئًا بل يحصر النفس في التعب بلا فائدة. ما أخطر الاهتمام بالشكل دون الجوهر، والسطح دون التعمق..

ضرورة التعمق: إن الجميع مدعوون للدخول إلى العمق، لأننا نعاني من مظاهر الضعف الروحي الذي يضرب بجذوره في حياة الكثيرين، بينما الوقت الذي نملكه لا يحتمل أن نضيعه في ما هو تافه أو ضعيف: «هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ» (رو13: 11-13).

1. العمق برهان الأصالة والاتحاد بالله: الحياة مع الله فيها دسم وغنى، فيها أسرار، فيها نمو وانطلاق، ولكي ندرك هذا كله نحتاج إلى العمق: «لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي الْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ» (أف3: 17-18). واضح من كلمات القديس بولس مقدار أصالته وعمقه في فهم طبيعة الحياة مع المسيح، فالإنسان العميق هو أصيل في تديُّنه ونامٍ في روحياته، وهو في عمقه يزداد اقترابًا من الله وبالتالي اتحادًا به.

2. العمق استقرار للنفس وارتقاء للأفضل: من المعروف أن السفينة ذات الغاطس العميق تسير في القنوات الملاحية الضخمة ذات العمق الكبير، وتقطع مسافات ضخمة، وتصل إلى أقصى الأماكن والقارات، وهي في مسيرتها هذه لا تهتز ولا تتمايل، بل تسير في رسوخ وثبات مهما اهتزت الأمواج وتلاطمت بالسفينة.. هكذا الإنسان العميق له طموحاته وهو لا يتدنّى قط، إنما دائما يرتقي ويتسامى. لا ينشغل بالصغائر، إنما في شهوة روحية يحلِّق نحو الله.

3. العمق تحقيق لهدف الحياة: للحياة هدف نسعى لتحقيقه، والهدف هو المسيح «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ» (في1: 21)، فإن كان الرب هو مصدر الحياة فهدف حياتنا هو التمتع بهذا الإله.

السطحي لا يفهم عن الحياة سوى لذة الجسد وشهواته، أمّا العميق فيفهم رسالة الحياة «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أف2: 10).

4. العمق غلبة وانتصار: إذا كانت الحروب الروحية موجّهة ضد الجميع، فمن يا تُرى ستكون له الغلبة والنصرة؟ الإنسان الضعيف روحيًا بسبب سطحيته وفتوره الروحي سيكون أكثر تعرُّضًا للسقوط في الحروب الروحية، أمّا الانسان المتعمِّق في حياته وعباداته وصلته بالله يتقوّى بأسلحة الروح فيقدر أن يثبت ضد مكايد إبليس.

صفات الشخص العميق: 1. هادئ ويحيا في التركيز: يضع أمامه الأهداف الروحية السامية ولا يلتفت إلى التفاهات. يركض في الميدان لكي يفوز بالجعالة، وإذ يجاهد لأجل هذا الهدف يضبط نفسه في كل شيء.

2. ينمو كل يوم: «لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (في3: 12-14).

3. له خلواته المتجدّدة: في المخدع، يقوم بالسجود والميطانيات وانسكاب روحي جميل، قد لا يلمحه أحد ولكنهم يحسون بثماره فيما بعد.

4. له افراز وكلمة وتمييز: لا يقبل على نفسه الجلوس في مجلس المستهزئين أو الوقوف في طريق الخطاة أو السلوك في مشورة المنافقين. هو في عمقه «... كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا لاَ يَذْبُلُ. وَكُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ» (مز1). في عمقه لا ينخدع بفلسفة العالم الكاذبة وأفكاره المخادعة.

5. يفهم أن حياته تتمركز في مفهوم واحد: «... اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ» (جا12: 13). إنه يضع حسابًا دقيقًا للأبدية وساعة وقوفه أمام الله، ولذا فمخافة الله تملأ قلبه وكيانه وتحفظ حياته في الانضباط، ويضع أمامه «إِنْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَبًا الَّذِي يَحْكُمُ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ حَسَبَ عَمَلِ كُلِّ وَاحِدٍ، فَسِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ» (1بط1: 17).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx