اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4903 ديسمبر 2021 - 24 هاتور 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 47-48

اخر عدد

وأكمل عدد أيام

نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية

03 ديسمبر 2021 - 24 هاتور 1738 ش

إحدى عبارات التوراة التي كانت مصدر فرح عظيم لشعب بني إسرائيل قول الرب: «لا تكون مسقطة ولا عاقر في أرضك. وأكمل عدد أيامك» (خر12 :26). والسر في ذلك الفرح هو ما كانت تحمله تلك العبارة من بركة كبيرة للشعب الذي كان يتطلّع إلى مجيء المسيا من نسله. ومعنى عبارة: «وأكمل عدد أيامك» هو اكتمال عدد أيام تكوين الجنين في رحم أمه فلا يصير سقطًا لا يرى النور، ولا طفلًا مُجهَضًا مقتولًا في الرحم. أما المعنى الروحي وراء تلك العبارة فهو أيضًا مصدر تعزية وفرح عظيمين لكل المجاهدين السائرين على دروب الملكوت.

من المعروف أن حياتنا على الأرض هي بمثابة حياة الجنين داخل رحم أمه، وأن لحظة الموت الجسدي هي بعينها لحظة ولادتنا في الحياة الأبدية كما الجنين الخارج من الرحم. وكما توجد أجنة كثيرة أُجهِضت أو صارت سقطًا، هكذا يوجد الكثيرون الذين ضلّوا عن طريق الحياة الأبدية فصاروا مثل السقط. وهؤلاء قد وصفهم بولس الرسول قائلًا: «لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح» (في3: 18)؛ «أهكذا أنتم أغبياء! أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد؟» (غل3:3). أمّا القديس يوحنا الحبيب فقال عنهم: «منّا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منّا، لأنهم لو كانوا منّا لبقوا معنا. لكن ليظهروا أنهم ليسوا جميعهم منّا» (1يو2:19). ولعل أبرز أمثلة الشخصيات التي «لم تكمل أيامها» وأُجهض جنينها الروحي: الشاب الغني، ويهوذا الإسخريوطي، وديماس، وآريوس، ونسطور، وكل المرتدين والملحدين والمقاومين دون توبة حتى موتهم، وكل المنتحرين... إلخ.

إن اكتمال أيام تكوين الجنين يعني اكتمال النضج، ولو حدث أن وُلِد الجنين قبل موعده فإنه يموت، أو يولد مُشوَّهًا بعيوب كثيرة. هكذا النفس البشرية المجاهدة التي يتصور السيد المسيح في أحشائها بفعل الروح القدس لا بد وأن «يتم زمانها لتلد» (لو1 :57) كما السيدة العذراء. هنا صبر القديسين الذين يصبرون على صروف اتضاعهم موقنين أنه «بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أع14 :22). أمّا كل من يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي ويستعجل أن يجني الثمار في أوان الزرع وليس الحصاد، وأن يحصل على المجد قبل الهوان، والقوة قبل الضعف، والقيامة قبل الموت، فإنه يدخل ضمن زمرة من قيل عنهم: «حَبِلنا تلوّينا كأننا ولدنا ريحًا» (إش26 :6)؛ «تحبلون بحشيش تلدون قشيشًا» (إش33: 11).

يُعد الخضوع للأزمنة والأوقات أحد آلام الزمان الحاضر التي أُخضعت لها كل الخليقة بما فيها الإنسان، والذي نئن في أنفسنا من جهته منتظرين العتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله حين تتحقق نبؤة الرائي: «والملاك الذي رأيته واقفًا على البحر وعلى الأرض، رفع يده إلى السماء وأقسم بالحي إلى أبد الآبدين، الذي خلق السماء وما فيها والأرض وما فيها والبحر وما فيه: أن لا يكون زمان بعد» (رؤ10 :5-6). إنه فقط عندما يكمل الرب أيامنا لا يعود هناك خضوع لنير الزمان بعد!  لذا ينبغي علينا أن نؤمن أن الرب الذي وعد قائلًا: «وأكمل عدد أيامك»، وعد أيضًا: «هل أنا أُمخض ولا أُوَلِّد يقول الرب؟ أو أنا المُوَلِّد هل أُغلق الرحم قال إلهك؟» (إش66 :9). فليتقوَّ إذًا رجاء صبرنا منصتين لقول الرسول: «فتأنّوا أيها الإخوة إلى مجيء الرب. هوذا الفلاح ينتظر ثمر الأرض الثمين، متأنيا عليه حتى ينال المطر المبكر والمتأخر. فتأنوا أنتم وثبتوا قلوبكم، لأن مجيء الرب قد اقترب» (يع5 :7-8).




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx