ينتظر الأقباط كل عام شهر كيهك المبارك الذي يتميز بسهرات تسبحة نصف الليل التي لها أهمية عامة في ليتورجية الكنيسة ومحبة خاصة في قلوب المؤمنين، وهي حقًا ذبيحة حقيقية كقول داود النبي «ليكن رفع يديّ كذبيحة مسائية». وتُعتبر التسبحة وجبة دسمة لكل مؤمن فتحمل في داخلها الإيمان المستقيم والعلم اللاهوتي الصحيح.

التسبيح وزمانه العتيق في البيعة المقدسة

يذكر سفر أعمال الرسل «كانوا يواظبون في الهيكل بنفس واحدة وهم يكسرون الخبز بابتهاج وبساطة قلب مسبحين الله»، وفي العصر الرسولي كان الشعب يقضي الليل في الصلاة والتسبيح حتى الفجر لتبدأ حينئذ خدمة الإفخارستيا. وشهد العديد نت آباء الكنيسة عن هذه الممارسة مثل: القديس كبريانوس أسقف قرطجنة، يوسابيوس القيصري، وغيرهم.

التسبحة ومرتلي البيعة

الألحان الكنسية مُسلَّمة من جيل إلى جيل، ولها عدة مدارس مُقسّمة جغرافيًا (تكلمنا عنها في مقالات سابقة)، لذلك تنوعت الموسيقي الكنسية مما يدل على براعة أبناء الفراعنة، وسوف نستعرض معًا عناصر وألحان التسبحة السنوية لنصف الليل مقارنة ما بين تسليم مرتلي البيعة القدامى حيث أن المرتلين هم مصدر الموسيقي الكنسية.

وتشمل تسبحة نصف الليل السنوية:

(1) لحن وقطعة تين ثينو- قوموا يا بني النور

ذكر ابن كبر في القرن الرابع عشر أن الموقع القديم لهذا اللحن قبل المزمور الخمسين، وليس بعده كما هو متبع الآن إذ يُقال دمجًا بالعربية ثم يُكرَّر بالقبطية مرة أخرى بعد صلاة المزامير. ويتفق أغلب كبار مرتلي البيعة على موسيقى هذا اللحن أن يُرتل الربع الأول منه بلحنه الكبير وباقي الأرباع بالطريقة الدمج، بينما ينفرد المعلم توفيق يوسف المحرقي فهو يركب الربع الثاني من القطعة بنفس اللحن الكبير. أمّا عن الطريقة الدمج فيتفق أغلب مرتلي البيعة على نغمة واحدة تشبه دقّ طبول الحرب للمشاة للاستعداد، كقول الرب «لتكن أحقاؤكم ممنطقة ومصابيحكم موقدة»، بينما هناك نغمة أخرى أبطأ تختلف قليلًا عن السابق ذكرها يسود عليها الأسلوب التوسلي في طلبهم إذ يكررون ”المجد لك يا محب البشر“ في اغلب الأرباع، كما سجلها د. راغب مفتاح لخورس معهد الدراسات القبطية، وكما يرتلها رهبان دير أبو مقار، حيث سجّل أول بعض أرباع من القطعة بالطريقة التوسلية وباقي الأرباع بالطريقة الأولى التي سبق ذكرها، وأيضًا سجلها المعلم حنا ميخائيل بإسنا والمعلم توماس عجايبي.

(2) الهوس السنوي ولحن الليلويا بلحن الانسطاسيمون

الهوس السنوي المعروف الآن بالهوس الكيهكي، وقد انتقل الآن إلى الابصلمودية الكيهكية في الأبصلموديات المطبوعة. ذكر عنه ابن كبر في مصباح الظلمة في ايضاح الخدمة: ”وقطعها من المزامير، والعُرف فيها أنها من هذه المزامير 19-15-96-17-36-33-95-86-67-18- 37، ووضعها المتوسط أن تكون ثمانية عشر قطعة، وهي تسبيح للرب، وللسيدة العذراء2، وللملائكة2، وللآباء الرسل2، وللآباء القديسين2، وللكهنة2، وللشعب2، والمرتل بها 2، في ليالي الآحاد“. ولقد ذكر ابن كبر أن لحن الليلويا بلحن الأنسطاسيمون يسبق الهوس السنوي: ”ثم يُقال لحن الليلويا بلحن الانسطاسيمون، يقولها شماس واحد واقف قدام باب الحجاب والخورس جلوس يردون عليه، ولها ثلاثة ألحان: مطولة ومتوسطة ومختصرة“؛ وهذا اللحن تبقّى منه فقط الآن الطريقة المطولة وهي لحن ”اللي نصف الليل“ المعروف بـ”اللي الكبير“، أمّا المتوسطة والمختصرة فهما مندثرتان حتي الآن. وهذا اللحن يسبق الهوس السنوي الذي كان يُرتل يوم الأحد، وكلمات اللحن هي: ”الليلويا المجد لإلهنا. المجد لإلهنا الليلويا“. ويؤكد اصله السنوي مخطوط دير مارمينا المعلق أبنوب جاء فيه: ”يقال الليلويا وهؤلاء القطع في صلاة نصف الليل السنوي، يقال هذا الهوس السنوي خارجًا عن الصيام والأعياد“؛ كما جاء في مخطوط أبصلمودية سنوي رقم 555 بالمكتبة الأهلية بباريس، وأيضًا مخطوط رقم 80-6 طقوس دير البراموس، والابصلمودية السنوية دير السيدة العذراء البراموس الطبعة 2003 صفحة 63، وأيضًا كما جاء في الصورة المرفقة

مخطوط الابصلمودية السنوية رقم 53 طقس دير السيدة العذراء بياض ببني سويف