اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4917 ديسمبر 2021 - 8 كيهك 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 49-50

اخر عدد

القلب والإنسان (ج 4)

قداسة البابا تواضروس الثانى

17 ديسمبر 2021 - 8 كيهك 1738 ش

ذكرنا في الأعداد الماضية أن الجهاز الروحي في الإنسان يتكون من الأذن والعين والقلب، وإذا كان صوم الميلاد المجيد هو أول أصوام السنة الكنسية، فهو يبدأ في أناجيل قداسات الآحاد ويذكر آيه: «من له أذنان للسمع فليسمع»، وتتكرر في الآحاد الثلاثة الأولى في شهر هاتور. وفي الأحد الرابع تقدم لنا الكنيسة قصة مقابلة الشاب الغني مع السيد المسيح، وكيف بدأ حديثه بأدب ووقار واهتمام، ولكن انتهى حديثه بأنه مضى حزينًا والسبب أن أذنيه لم تطيعا الوصية، ولذا يسميه مُفسِّرو الكتاب بـ"الغني الحزين".. ثم يأتي شهر كيهك ليمتد بطول أيامه ولياليه بتطويب أمنا العذراء مريم كنموذج أسمى في أذن صاحية واعية تسمع جيدًا وتطيع باتضاع كما قالت عند بشارة الملاك لها « هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كقولك».. وحتى بعد انتهاء صوم الميلاد ومجيء صوم يونان تقدم لنا الكنيسة نبيًا لم يسمع نداء الله له وتكليفه بالخدمة، ثم في نهاية القصة يسمع ويطيع ويخدم وينجح.

وعندما نصل إلى الصوم الكبير نجد أن الكنيسة تؤكد على العضو الثاني في الجهاز الروحي للإنسان وهو العين، كما نقرأ في إنجيل قداس الاحد الأول من الصوم (متى6: 22) وخلال قراءات الصوم كله.

أمّا العضو الثالث في الجهاز الروحي عند الإنسان فهو القلب الذي لا تملّ الكنيسة عن ذكره في فصول القراءات المختارة منذ أول الصوم الميلادي حتى نهاية الصوم الكبير، والحديث عنه لأنه عضو الحياة ومصدر الحرارة الجسدية كما قال أرسطو، ولأنه مركز الإحساس والعواطف والمحبة، كما أنه عضو المعرفة الإلهية، وفي الآداب النسكية تتردد عبارة: "القلب النقي" مع "الروح النقي" كما في مزمور التوبة (مز50: 11).

وإذا كان القلب هو العضو الأساسي في الحواس الداخلية، فهو الجذر الذي تنشأ منه هذه الحواس كلها كما يذكر لنا مار إسحق السرياني في كتاباته. بمعنى أن بدء الحياة الروحية هو حياة القلب المتجدّد بالنعمة والطاعة بقوة كلمة الله الحية والفعّالة. وإذا كنتَ نقي القلب، فالسماء في داخلك، ومن داخلك ترى النور والملائكة والرب نفسه. والقلب المحب هو القلب الملتهب بمحبة كل الخليقة: الناس والنباتات والحيونات وسائر الكائنات الحية، وبالتالي يصير القلب مهتزا بالشفقه اللا نهائية التي تجعله يصلي من أجل كل كائن حي، بل ومن أجل الطبيعة ذاتها، ويرى الآباء في كتاباتهم أن من يتمكن من رؤية خطيته أعظم ممن يقيم ميتًا، ومن يري حقيقة نفسه أعظم ممن يرى الملائكة.

ولذلك فإن كلمة الله حيّة وفعّالة وهي أفضل مربّي للقلب.

وتحكي لنا قصة من بستان البرية عن سؤال أحد الإخوة إلى أبيه الشيخ حين قال: "يا أبي كنت أتأمل أنه لا يوجد تأنيب ضمير في قلبي لأنني لا أفهم ما أقرأه أو أردده؟!".. فأجاب الشيخ: "إن الحية التي تحدثت مع حواء لم تفهم معاني الكلمات التي قالتها، ولكن الشيطان كان يفهم ذلك. وهكذا نحن قد لا نفهم معاني الكلمات التي نستخدمها في الصلاة، ولكن الشياطين يفهمونها جيدًا ويهربون في رعب".

ويتصور البعض أن العقل هو مصدر التفكير، ولكن الواقع أن القلب هو المصدر كما يتضح في الآيات التالية:

+ «لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب» (يو14: 27).

+ «لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟» (متى9: 4).

+ «من فضلة القلب يتكلم الفم» (متى12: 34).

+ «اختبرني يا الله واعرف قلبي...» (مز139: 34).

وهذا يعني أن الافكار تصير نقية إن كان القلب نقيًا، وكلمة الله تفحص «أفكار القلب ونياته» (عب4: 12).

وحيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضًا، لأن الإنسان يساوي ما يساويه مركز محبته ورغبات قلبه، ويصير "انقسام القلب" هو مصدر الشر حيث يتواجد الخير والشر فيه. ويتعجب العلامة ديديموس الضرير من كون القلب مرتعًا للعدالة والإثم!!

والسؤال الآن: ما هو القلب النقي المطلوب منّا؟

والإجابة: هو القلب الذي يكون في حالة طرد للخطية باستمرار.

وهو أيضًا الإنسان الذي يصلي من أعماقه: «قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله...» (مز51: 10). وهو الذي يعي تمامًا الوصية: «طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله» (متى5: 8). إن نقاوة القلب تتحقق بالصحبة الجيدة والقراءات الجيدة والمشاهدات الجيدة وأيضًا السماعات الجيدة. وإذا أردت الحصول على نقاوة القلب فاتبع الآتي:

أ) ادخل إلى أعماق النفس من خلال جلسة هادئة منشغلًا فقط بخطاياك، واذكر من أين سقطتَ وتب (رؤيا2: 5).

ب) ارتفع بالصلاة إلى الله.. «أخطأت يا ابتاه في السماء وقدامك، ولست مستحقًا أن أُدعى لك ابنًا» (لوقا 15).

ج) ارتمِ في أحضان الكنيسة، الأم الحانية والمربية والمرشدة، من خلال جلسة الاعتراف والتوبة بندم وانسحاق.

د) اعرف أن النقاوة هي هدف حياة ومنهج سلوك، وأيضًا فيها سلامة الطريق إلى الملكوت.

ه) جاهد أن يكون تفكيرك النقي متزنًا ومعتدلًا ومنظمًا وإيجابيًا، له شاهد من الكتاب، وصانع سلام.

الخلاصة: اجعل قلبك مختونًا، فإذا رأيت حقدًا أو عداوة أو بغضه أو حسدًا أو زنىً أو شهوة مال أو شهوة قنية أو عظمة أو محبة مجد باطل أو ما يشبه هذه الأمور، فأسرع واقطع ذلك الفكر لتحفظ قلبك نقيًا وبه تعاين الله على الأرض وفي الملكوت أيضًا.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx