تحدثنا في المرتين السابقتين عن مقدمة في سفر الخروج وعن شخصية موسى االنبي، وحديثنا اليوم حول الضربات العشر، فقد وقف موسى أمام فرعون ملك مصر يطلب منه -بحسب أمر الرب- أن يطلق شعب الرب من العبودية لكي يخرجوا ليعبدوا الرب. طالب موسى فرعون أن يخرج الشعب كله: رجاله ومعهم نساءهم وأطفالهم ومواشيهم، وقد عاند فرعون ملك مصر كثيرًا كلمة الرب على لسان موسى، وهنا جاءت الضربات العشر وفيها أظهر الرب عجائبه في أرض مصر وأمام أعين فرعون وجميع المصريين لكي يعرفوا الرب إله إسرائيل.
بدات الضربات بضربة تحويل ماء النيل إلى دم، ثم بعدها ضربة الضفادع، يليها ضربة البعوض، ثم ضربة الذباب، ولما تقسّى قلب فرعون كانت ضربة المواشي، ثم الدمامل، بعدها البروق والرعود والبرد، ثم ضربة الجراد، وضربة الظلام، وأخيرًا ضربة موت الأبكار في بيوت المصريين.. وهذه الضربات جميعا كانت موجّهة ضد كل معبودات وآلهة المصريين كالنهر والشمس والعجول... الخ، كإشارة إلى سلطان الرب وغلبته وسلطانه فوق جميع آلهة المصريين. كما كانت الضربات تميِّز بين شعب الرب والمصريين، فكان المصريون يعانون من الضربات، بينما يبقى شعب الرب في أمان. ونلاحظ أيضًا أن الضربات قد شملت كل عناصر الطبيعة كالمياه والشمس والنباتات والحيوانات والحشرات وحتى البشر، كإشارة واضحة أيضًا على سلطان الرب إله شعب إسرائيل على كل الخليقة.
الضربات العشر عمومًا هي إشارة روحية للإنسان الروحي الذي يريد أن يترك العالم وشروره لكي يعيش مع الله، ولكن الشيطان رئيس هذا العالم (ممثلًا في فرعون) يقاوم خروج الإنسان من تحت سلطانه مرات كثيرة، والضربات تشير إلى سلطان الله ومعونته للإنسان في مقاومتة للشيطان، كما تُظهر ضرورة ثبات الإنسان في طريق الرب.
وفي هذه الضربات كلها كانت هناك دروس روحية معزّية لنا في كلمة الرب، هذه بعضها:
(1) في كل الضربات كان العالم يساوم: ففرعون رفض خروج الشعب بكافة أطيافه وحاول أن يطلق البعض منه، وفي مرات أخرى أراد أن يطلق الشعب دون ممتلكاتهم، إلّا أن موسى بحسب أمر الرب أصرّ أن يخرج الشعب جميعه وبقرهم ومواشيهم ليعبدوا الرب، وهذه كانت إشارة للعالم والشيطان الذي يعرض العديد من العروض لكي يتنازل الإنسان عن روحياته وأخلاقياته، فيساوم الانسان الروحي لكي يتنازل عن وصية الله أو يتنازل عن مبادئه الروحية أو عن عقائده الإيمانية المستقيمة. أمّا أولاد الله فعليهم أن يثبتوا راسخين في كل أوامر الرب ووصاياه، ولا يخضعوا لمساومات العالم والشيطان مهما ضاقت الحياة.
(2) الله يمنح أولاده السلطان فوق العالم وقوة إبليس المعاند، فقد أعطى الرب موسى وهارون سلطانًا فوق كل قوة فرعون والسحرة المصريين، لكي يقودوا الشعب ويخلّصوه من عبودية فرعون. هكذا أيضًا منح الرب أولاده في العالم سلطانًا لكي يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوات العدو، فالرب في غربة هذا العالم أعطانا السلطان أن نتعرّف على خداع الشياطين وخطط المعاندين من حولنا لكي نسلك بسلطان وحكمة معهم، فنرفض كل مشوراتهم وتتبدد كل قوة المقاومين لنا.
(3) هناك دائما مقاومون هم سحرة فرعون الذين حاولوا مرارًا كثيرة أن يعملوا مثلما يصنع موسى وهارون، وهؤلاء هم إشارة إلى أهل العالم الأشرار الذين يسعون مقاومين لأولاد الله محاولين أن يُظهروا قوتهم وسلطانهم. ونحن كأبناء لله علينا أن نثبت ضد هؤلاء المقاومين، نثبت كأولاد لله حافظين وصية الرب بكل أمانة، حتى وإن بدا العالم منتصرًا إلّا أن ثباتنا الدائم يضمن لنا الخروج من هذا العالم منتصرين ظافرين بالخلاص من عبودية إبليس.
(4) تصرف موسى وهارون بحكمة فكانا يخدمان برأي واحد وهدف واحد واضح هو أن يعرف المصريون الرب، ويخرج شعبه من عبودية فرعون إلى حرية أولاد الله، فمرات كثيرة تقدم موسى ومرات أخرى تقدم هارون، وفي كل المرات صنع الرب نفسه ببأس، وأظهر قواته وعجائبه من أجل مجد اسمه وخلاص شعبه، ولكن في جميع هذه الضيقات والمحاولات كان موسى وهارون يعملان معًا. هكذا نحتاج في رحلتنا نحو السماء أن نعمل معًا في بيوتنا وكنائسنا من أجل مجد الرب وخلاص نفوسنا، فنحذر سلطان الذات ومحبة الأنا لأنها تعطّل مجد الرب وخلاص الشعب.
(5) في كل أحداث الضربات كان الله طويل الأناة، فكان يحتمل مساومات فرعون، ويطيل أناته عليه، ويتغاضى عن قساوة قلبه، ويرسل له العديد من الإنذرات الالهية من خلال الضربات لكي يُقبل إلى التوبة، ويتغاضى عن صغر قلب موسى ويطيل أناته عليه ويقود خطواته ويشدّده لكي يُخرج شعبه إلى الحرية، ويمنح موسى وهارون خدامه العديد من الاختبارات الروحية العميقة لكي يشدّدهم في الطريق، ويمنح لشعبه طول أناة وصبر لكيما يتعلموا الصمود والثبات في الرب، والله في هذا كله «يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الرب يُقبلون» (1تي2: 4)، فالله لا يشاء أن يهلك أحد بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة (2بط3: 9).
(6) في كل الضربات كانت عصا موسى تشير لصليب الرب الذي صنع به خلاص البشرية، فالصليب هو سر نصرتنا وغلبتنا على قوات الشر في طريق خروجنا من سلطان إبليس، وكانت الضربات إشارة إلى سلطان الله المطلق، فهو الإله الحقيقي وحده ولا إله آخر من آلهة المصريين يقدر أن يخلّص، كما نلاحظ أن الضربتين الأولى (تحويل مياة النهر إلى دم) والأخيرة (قتل أبكار المصريين) كانتا متعلقتين بالدم، فكانتا إشارتين إلى أنه من خلال الدم -دم المسيح– يصنع الله خلاص البشرية كلها، ويحررها من سلطان إبليس.
في الضربات العشر تأملات روحية كثيرة نافعة نحتاج أن نتأملها طويلًا، ففيها معونة لنا في طريق خروجنا من عبودية إبليس. نكتفي هنا بهذا القدر هنا على أن نحرص أن نقرأها ونتعلم منها في طريقنا نحو السماء.