يُحكى أن رجلًا صالحًا تعب واجتهد حتى بنى مصنعًا كبيرًا.. بناه حجرًا على حجر بعرقه وكفاحه وحبه، حتى كان ينظر اليه كل صباح ويقول: «حسنٌ ما صنعت بجهد السنين». ورزقه الله ولدين، وكانت فرحته بهما كبيرة، وحلمه لهما أن يأتي اليوم الذي فيه يتسلّما إدارة المصنع، فينمو ويزدهر ويستمر حاملًا اسمه مُخلِّدًا تاريخه. وهكذا كان يربيهما منذ نعومة أظافرهما، «استعدّا لترثا المصنع الذي أعددته لكما، إن اعتنيتما به يكون مصدر ثروة عظيمة وخير يعم للجميع.» ثم جاء اليوم المنتظر، ودعا ولديه وقال: «هيا للعمل الجاد، تعاليا استلما موقعكما!». بسرعة أجاب الأكبر:» نعم يا أبي، أنا آتي واعمل معك»، أما الصغير فكان أكثر صراحة واندفاعًا وربما بعض أنانية، فقال: «لا أذهب، سأفعل بحياتـــــــــــــي ما أريد». الأب الحكيم لم يفرح بالكبير، ولم يحزن من الصغير! ولكونه حكيما جدًا.. انتظر بهدوء في مكتبه بالمصنع. أمّا الكبير فقد كان يفكر بالثروة المنتظرة واللقب الذي سيُضاف إلى اسمـــــــــــه «مدير المصنــــــــــع»، ولذلك أجاب بسرعة «أنا جاهز للعمل»، ولكن الواقع كان شيئًا آخر، إن إدارة المصنع مجهود كبير لم يكن يحبه، ثم إنه مسئولية والتزام وانضباط، عليه أن يراعي كل خطوة يخطوها وكل قرار يتخذه... فتراجع! لم يذهب الأكبر رغم التعهدات والوعود! أما الابن الأصغر فقد رأى كل هذا الكم من الجهد والمسئوليات، فتراجع واستعفى ورفض، ولكن حين عاد إلى حجرته الصغيرة تذكر نظرات أبيه طوال عمره، كيف كان يبثّ الحلم في قلبه الصغير، كيف أن هذا المصنع يفتح بيوتًا ومصدر خير وأمل يكبر كل يوم، وتذكر كيف أن أباه كان دائمًا سندًا وعونًا لم يتركه ولم يتخلَّ عنه.. وهان الجهد أمام الحب، فأسرع وارتدى ثيابـــــــــــــــــه وذهـــــــــــــب للمصنع متأخرًا عن موعده، ولكنه وجد أباه منتظرًا بابتسامــــــــــــــة مُرحّبـــــــــــــــة. وضــــــــــــــع يــــــــــــده على كتفه وأخذه ليريـــــــــــه الماكينـــــــــــات تعمـــــــــــــــل، والعمــــــــــــــال يجتهـــــــــــــدون، وخطــــــــــــوط الإنتــــــــاج، والعقود التي تنتظر الإتمام!
ويقول السيد المسيح:
«فَــــــــأَيُّ ٱلِٱثْنَيْـــــــــنِ عَمِــــــــلَ إِرَادَةَ ٱلْأَبِ؟». قَالُوا لَهُ: «ٱلْأَوَّلُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ٱلْحَـــــــــــقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلزَّوَانِيَ يَسْبِقُونَكُمْ إِلَى مَلَكُـــــــــوتِ ٱللهِ».“ (متى21:31).