اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5028 يناير 2022 - 20 طوبه 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 3-4

اخر عدد

البسملة وأنواعها ودلالاتها في المخطوطات القبطية  (1)

إيريني القمص بيشوي القمص منسى - مدرس مساعد بمعهد الدراسات القبطية

28 يناير 2022 - 20 طوبه 1738 ش

تُعتبر المخطوطات القبطية أهم المفاتيح لدراسة الأقباط وعلم القبطيات من كافة الجوانب دينيًا وتاريخيًا واقتصاديًا وثقافيًا وأدبيًا وفنيًا... لذا تزخر مخطوطاتنا القبطية بكنوز شتى، فتميزت باحتوائها على دلالات رمزية وتعبيرية، وقيم فنية وجمالية، ونصوص ثرية، وصياغات لغوية متنوعة كـ"البسملة". فالبسملة هي مصدر "بسمل"، وهي كلمة مركبة منحوتة من "باسم الله" أي ذكر الله في بداية القول والفعل، والباء هنا تأتي لطلب الاستعانة بالله، والنحت في اللغة العربية هو أن تُختصر كلمتان فأكثر في كلمة واحدة بقصد الإيجاز مثل "السبحلة" وهي اختصار لـ"سبحان الله"، أو كلمة "دعمزه" اختزال لـ"أدام الله عزك".

فالبسملة من ضمن الكنوز التي زينت بدايات المخطوطات أو الأسفار مع تعدّد صياغاتها ودلالاتها، فهي ليست مجرد عبارات افتتاحية مصاغة؛ بل تُظهر حقائق لاهوتية جوهرية في الإيمان والعقيدة المسيحية. فقمت بحصر بعضًا منها في ضوء أطروحتي للماجستير فوصل تنوعها إلى حوالي عشرين بسملة، وهذه بعض النماذج منها:

"بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد بالذات المثلث الأقانيم والصفات له المجد"

لم يكن الناسخ منفصلًا عن عقيدته، فقد شرح البسملة حتى أثناء كتابة البسملة نفسها، كما هو واضح في نموذج هذه المخطوطة، مخطوطة "دروس من الأنبياء"، شكل رقم (1).

شكل رقم (1)، مخطوطة "دروس من الأنبياء"" القطمارس"، المكتبة البطريركية، 1517ش، القرن 18م.

"بسم الله الخالق الحي الناطق"

لقد استوقفتني هذه البسملة لعلاقتها وارتباطها الشديد بالنص، نجدها في مخطوطة الكتاب المقدس مع بداية سفر التكوين الأصحاح الأول، نرى دلالة هذه البسملة تعبّر عن مضمون النص الكتابي: «في البدء خلق الله السماء والأرض» (تك1:1)، الخالق الله الآب يقابلها في البسملة: "بسم الله الخالق". «وروح الله يهب على المياه» (تك1: 2) أي الروح القدس لذا قال "بسم الله الحي"، «وقال الله ليكن نور» (تك1: 3) وقال الله دلالة على الله الكلمة يسوع المسح النور الذي أشرق في الظلمة، دلالتها في البسملة "بسم الله الناطق". فعبّر الناسخ عن الثالوث القدوس في عبارة موجزه معبّرة أن الله خالق بقدرته، حي بروحه، وناطق بكلمته في ابنه يسوع المسيح، شكل رقم (2).

شكل رقم (2)، مخطوطة " الكتاب المقدس "، المكتبة الوطنية بباريس، قسم المخطوطات الشرقية، رقم 12عربي، سنة 1069ش، 1353م، القرن 14..

"بسم الله الرؤوف الرحيم وبه نستعين"

بسملة لبداية سفر يونان النبي، فنجد دلالتها وارتباطها وسبب اختيارها أن سفر يونان يتضح فيه رأفة الله، وإشفاقه على الخطاة، وإصراره على رجوعهم إليه، وقد قال يونان النبي: «لأني علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة، ونادم على الشر» (يون4: 2)، شكل رقم (3).

شكل رقم (3)، مخطوطة "الكتاب المقدس"، المكتبة البطريركية القبطية، سنة 1444ش، 1728م، القرن 18م.

فنجد الناسخ القبطي يمتلك روح الإفراز في اختياره لكلمات البسملة التي تحوي دلالة تناسب وتوضح مضمون السفر، وكأنها بمثابة مفتاح للنص الكتابي. ليس ذلك فحسب بل أبهرتنا بعض المخطوطات بثرائها في أساليب صياغتها، فنجد تنوع صياغة البسملة داخل المخطوطة الواحدة مع بداية كل سفر من أسفار الكتاب المقدس تخدم مضمون السفر كالتالي، مخطوطة شكل رقم (4، 5، 6).

"بسم الله الحي الأزلي"

نجد "سفر الخروج" في هذه المخطوطة يبدأ ببسملة "بسم الله الحي الأزلي"، وهي مطابقة لمعنى ومضمون السفر، سفر العبور، عبور بني إسرائيل من الموت للحياة لذا بدأ الناسخ سفر الخروج بـ"بسم الله الحي".

شكل رقم (4)، مخطوطة " الكتاب المقدس"، مكتبة البطريركية، سنة 1234م.

"بسم الله الواحد رب القوات"

أيضا في نفس المخطوطة "سفر العدد" تبدأ البسملة بـ"بسم الله الواحد رب القوات"، حيث يبرز هذا السفر عناية الله بشعبه في البرية يظللهم كسحابة، وينير لهم ليلًا، ويهتم بأكلهم وشربهم وراحتهم؛ فهو عرض عمل الله وقوته مع الإنسان كدلالة بسملة بداية السفر "بسم الله الواحد رب القوات".

شكل رقم(5)، مخطوطة " الكتاب المقدس"، مكتبة البطريركية، سنة 1234م.

"بسم الله الواحد ذي القدرة والجبروت"

كما نلاحظ في نفس المخطوطة سفر المثناة أي "التثنية"، وهو سفر العهد والحب الإلهي، محور السفر الله خليلي يعطيني وصيته، فهو سفر تذكرة دائمة لوصايا الله. لذلك بدأ الناسخ سفر التثنية بـ"بسم الله الواحد ذي القدرة والجبروت".

شكل رقم (6)، مخطوطة " الكتاب المقدس"، مكتبة البطريركية، سنة 1234م.

يمكن أن نستنج من خلال هذا البحث جـ1 أن المخطوطة القبطية يختبئ بين طياتها كلمات وعبارات تحمل دلالات عميقة في معانيها، قوية في حجتها؛ بل تظهر لنا العقيدة في صورة واضحة، وتكشف لنا الاستنارة الإيمانية والوعي لآبائنا وأجدادنا الذين كتبوا المخطوطات ونسخوها، فقد كان لديهم القدرة على الاختيار.. كيف وماذا يختار؟ وفي أي موضع يضع اختياره لإثراء المعنى والمحتوى بما يتناسب مع جوهر إيمانه وعقيدته، وكان من ثمرة هذا الإيمان الواعي البسملة بتعددها وتنوعها لتحمل العديد من المعاني والمضامين العقائدية والإيمانية المرتبطة بمضمون المخطوطة، وكأنها بمثابة مفتاح لنصوصها.

نهاية يمكن القول إن المخطوطات القبطية بحر واسع غني بالكثير من القيم العلمية والعقائدية والإيمانية والإبداعية، فتحتاج منا بعض الاهتمام للكشف عنها. فهي بمثابة تاريخ الحضارة القبطية.

(1) هذا جزء من دراسة مأخوذة، مع الإضافة والتطوير عن أطروحتي: إيريني إيليا إستفانوس وشهرتها إيريني القمص بيشوي القمص منسى: "الدلالات الرمزية والتعبيرية في منمنمات المخطوطات القبطية من القرن 13-18م كمدخل للتذوق الفني"، رسالة ماجستير، إشراف: أ.د. حكمت محمد بركات (أستاذ ورئيس قسم النقد والتذوق الفني السابق بالكلية)، م. د/ هبة عبد المحسن، قسم النقد والتذوق الفني، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 2016م.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx