اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5025 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

بعد أربعين يومًا تنقلب المدينة
عظة الأربعاء 16 فبراير 2022م، من كنيسة التجلي بمركز لوجوس البابوي بدير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون

قداسة البابا تواضروس الثانى

25 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش

في سفر يونان وبداية الأصحاح الثالث، يدعو الله يونان ثانية قائلًا: «ثُمَّ صارَ قَوْلُ الرَّبِّ إلَى يونانَ ثانيَةً قائلًا: «قُمِ اذهَبْ إلَى نينَوَى المدينةِ العظيمَةِ، ونادِ لها المُناداةَ الّتي أنا مُكلِّمُكَ بها». فقامَ يونانُ وذَهَبَ إلَى نينَوَى بحَسَبِ قَوْلِ الرَّبِّ. أمّا نينَوَى فكانتْ مدينةً عظيمَةً للهِ مَسيرَةَ ثَلاثَةِ أيّامٍ. فابتَدأَ يونانُ يَدخُلُ المدينةَ مَسيرَةَ يومٍ واحِدٍ، ونادَى وقالَ: «بَعدَ أربَعينَ يومًا تنقَلِبُ نينَوَى». فآمَنَ أهلُ نينَوَى باللهِ ونادَوْا بصَوْمٍ ولَبِسوا مُسوحًا مِنْ كبيرِهِمْ إلَى صَغيرِهِمْ. وبَلَغَ الأمرُ مَلِكَ نينَوَى، فقامَ عن كُرسيِّهِ وخَلَعَ رِداءَهُ عنهُ، وتَغَطَّى بمِسحٍ وجَلَسَ علَى الرَّمادِ. ونوديَ وقيلَ في نينَوَى عن أمرِ المَلِكِ وعُظَمائهِ قائلًا: «لا تذُقِ النّاسُ ولا البَهائمُ ولا البَقَرُ ولا الغَنَمُ شَيئًا. لا ترعَ ولا تشرَبْ ماءً. وليَتَغَطَّ بمُسوحٍ النّاسُ والبَهائمُ، ويَصرُخوا إلَى اللهِ بشِدَّةٍ، ويَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ عن طريقِهِ الرَّديئَةِ وعَنِ الظُّلمِ الّذي في أيديهِمْ، لَعَلَّ اللهَ يَعودُ ويَندَمُ ويَرجِعُ عن حُموِّ غَضَبِهِ فلا نَهلِكَ». فلَمّا رأى اللهُ أعمالهُمْ أنهُم رَجَعوا عن طريقِهِمِ الرَّديئَةِ، نَدِمَ اللهُ علَى الشَّرِّ الّذي تكلَّمَ أنْ يَصنَعَهُ بهِمْ، فلَمْ يَصنَعهُ.»

بدأت معكم منذ أسبوعين موضوعًا أسميناه: عظات عميقة، ولكن في كلمات أو آيات قصيرة. الأسبوع قبل الماضي تناولنا عبارة القديسه مريم التي قالتها للخدام: «كل ما قاله لكم فافعلوه»، وكانت نصيحة أمينة في هذه العبارة من ناحية الطاعة والتسليم في الحياة.

وفي الأسبوع الماضي كان تذكار نياحه القديس الأنبا بولا أول السواح، وتأملنا فيه العبارة القصيرة: "من يهرب من الضيقة يهرب من الله"، واعتبرنا أن هذه العبارة هي خبرة حياة.

واليوم في المحاضرة الثالثة، نتأمل في عبارة قصيرة قالها يونان النبي إلى أهل نينوى بعد تجربة الحوت. قال لهم عبارة من خمس كلمات: «بعد أربعين يومًا تنقلب المدينة»، وهي عبارة بها تحذير، وتوبة، ولكن فيها أيضًا معانٍ كثيرة.

نعرف بالطبع أن قصة يونان قصة حقيقية، ويونان النبي هو الوحيد الذي شبّه السيد المسيح نفسه به، وكانت تجربة يونان كلها مثالًا ورمزًا لمعجزة القيامة وصلب المسيح وقيامته بعد ثلاثة أيام. ويقدم يونان صورة للإنسان الذي يمكن أن يضلّله عقله، كما يقدم صورة لحضن الله المتسع الذي يسع الجميع، أهل نينوى والبحارة، ويونان نفسه، أيضا ما زال هذا الحضن متسعًا لنا جميعًا على عود الصليب.

إذا كان يونان النبي في بداية السفر هو يونان الهارب، فهو في نهاية السفر يونان الكارز، وهذا يعطينا فكرة أن الإنسان في يد الله ممكن أن يتحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

«بعد أربعين يومًا تنقلب المدينة»، يمكن أن تُطبَّق على الفرد كما المجتمع أو الأسرة، ما لم تكن هناك توبة. نتيجة الخطية والطرق الرديئة هي الخراب. لكن كلمة "تنقلب" هنا بمعنى تنقلب الخطيه إلى خراب وإلى موت، ولكن تنقلب أيضًا بالتوبة إلى سماء وإلى حياة. فالعبارة تشمل التحذير وتشمل أيضًا المكافأة. هذا المفهوم تمثّله كلمة "ميطانية" التي نقدمها في أصوامنا، عملية تغيير الاتجاه. الكلمة نفسها باللغة اليونانية تعني: (تغيير اتجاه) حينما نسجد إلى الأرض كأني أقول إن الخطية وضعت رأس الإنسان إلى التراب، لكن أقوم واقفًا معناها أن التوبة جعلت للإنسان حياة.

هذه الخمس كلمات كانت نتيجتهم توبة شعب كامل. قضى يونان ثلاثة أيام مصليًا في بطن الحوت، وبعد تلك الخبرة الروحية في بطن الحوت، خرج مناديًا بالخمس كلمات على مشارف مدينة نينوى، فكانت النتيجة غير المتوقعة، توبة الشعب كله. هكذا تعمل التوبة في حياة الشعوب، مثلما حدث بعد صعود المسيح، عشرة أيام قضاها التلاميذ في الصلاة حتى حلول الروح القدس، وبعدها يقف بطرس واعظًا يوم الخمسين فتكون النتيجة أن السماء تربح ثلاثة آلاف نفس.

ونحن على مشارف الصوم الكبير، يمكن أن تأخذ تدريبًا سهلًا، فنبدأ في أول يوم في الصوم اثنتي عشرة ميطانية، تحاول فيها أن تزرع في نفسك فكر تغيير الاتجاه. يمكنك أن تجعل لنفسك ستة ميطانيات من أجل خطاياك وضعفاتك، والستة الآخرين من أجل المجتمع المحيط بك، أسرتك، أحبائك، أب اعترافك، كنيستك... ثم في كل يوم من أيام الصوم تزيد ميطانية، وهكذا عبر الصوم تأخذ تدريبًا تدريجيًا يزرع فيك تغيير الفكر حتى يتأصل وتصبح حياتك كلها هي حياة توبة.

هناك أمثلة كثيرة لأناس تغيرت حياتهم بالتوبة:

+ بولس الرسول الذي كان يضطهد كنيسة الله، لما ظهر له المسيح، قال عبارة جميلة: «ماذا تريد يا رب أن أفعل؟»، وتغير اتجاهه وأصبح بولس الرسول الكارز والخادم والشهيد.

+ زكا العشار، تغير بمجرد مقابلته مع السيد المسيح.

+ بطرس الرسول على الرغم من تلمذته للمسيح وحضوره للمعجزات وسماعه لتعاليم المسيح، لكنه ضعف وقت الصلب، ولكن المسيح عالج هذا الضعف بالحب، ولما قال كلمة واحدة: «أتحبني؟»، كانت النتيجة أنه رجع وصار بطرس العظيم، شاهدًا ثم شهيدًا.

+ وفي العهد القديم نجد أمثلة مثل داود النبي الذي أخطأ عدّة خطايا مركّبة، ولكنه قدم توبة أمام ناثان النبي، حتى أننا نصلي بمزمور توبته في كل صلاة «ارحمني يا الله كعظيم رحمتك...» (مز٥٠).

+ ومن تاريخ الكنيسة نجد القديس موسى الأسود، والقديسه مريم المصرية، والقديس أغسطينوس وغيرهم.

هذه الأمثلة نضعها أمامنا في فترة الصوم كي لا ننسى، فعندما أضع عقلي وقلبي في يد المسيح يستطيع أن يغيرهم. أحيانًا يشعر الإنسان أنه أضعف من أن يترك خطية معينة، لأن قوتنا البشرية محدودة، ولكن لو تلامست مع محبة الله ونعمته يحول هذا الضعف إلى قوة. سلم نفسك في يد المسيح بجدية، بإصرار، قل له: يا رب أنا في يدك، أريد أن تغير قلبي، لكن بطلبة مستمرة، تحتاج معها للأسرار وللجهاد الروحي.

في كل صباح نصلي في صلاة باكر: "بنورك يا رب نعاين النور"، انتهى الليل ونبدأ نهارًا جديدًا نطلب فيه: "أنر عقولنا وقلوبنا وأفهامنا" لأن كل ما هو في الخطيه ظلام، وكل ماهو في المسيح منير، فالعبارة تأكيد لتوبة الإنسان.

نطلب من الله صباح كل يوم قائلين: "هب لنا في هذا اليوم أن نرضيك فيه"، نرضيك بحفظ الوصية، بأن يعيش الإنسان حياته غير متأثر بالعالم. بولس الرسول يقول لنا: «لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله». هنا يتكلم عن (ميطانية)، هنا تغيير الاتجاه تمامًا كما فعل أهل نينوى.

صوم نينوى يشكل ثلاث قَرعات قبل الصوم الكبير لنستعد له، وهنا أحب أن ألفت أنظاركم أن من يواظب على فعل معين مدة ٤٠ يومًا، يصير لديه عادة تثبت معه. لذلك يمكن خلال الأربعين المقدسة أن نغير الفكر والاتجاه.

فلتبدأ إذًا بالاستعداد بالخطوة الأولى: قابل أب اعترافك وحدد معه تدبيرك في الصوم الكبير. التوبة تحتاج عدم التأجيل «مزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا للرب إلهكم لأنه رؤوف، رحيم، بطيء الغضب، كثير الرأفة، ويندم على الشر» (يوئيل ٢)، ثم خذ تدريب الميطانيات البسيط، أدخله في حياتك ومع أب اعترافك. اعترف بخطاياك، حدد ضعفاتك، الأشياء المؤجلة، ابدأ في عمل صحوة في حياتك الروحية. وقبلما تقدم توبتك أمام أب اعترافك قدمها أمام الله في صلاة خاصة بدموع، وبندم مثل أهل نينوى.

ليعطنا مسيحنا أن يكون لنا هذا العمل وتغيير الاتجاه في توبة حقيقية في قلوبنا. له كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx