اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5025 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 7-8

اخر عدد

قصة قصيرة
الحب... الحقيقي

الأنبا أندراوس - مطران أبوتيج

25 فبراير 2022 - 18 أمشير 1738 ش

كانت مريم فتاة وُلِدت في أسرة مباركة يسودها التفاهم والمحبة والمعاملة الحسنة بين الجميع، وما أن وصلت مريم لسن الجامعة حتى تكاثر عدد الشبان الذين تقدموا للارتباط بها لجمالها الفائق وعذوبة لسانها ووداعتها، وكانت مريم في كل هذا تبتسم وتقول إنها مخطوبة بالفعل، وتقريبًا لم يفهم أحد في الأسرة ما تقصده مريم بهذا القول، وإن كان البعض فيهم فَهِم أنها ربما في زياراتها المتكررة لأحد أديرة الراهبات قد تعرفت بأحد الشبان وتعاهدا على الارتباط.

كانت مريم تخدم في بعض فصول البنات الصغيرة في الكنيسة التي تذهب إليها، وقد أحبت مخدوميها حبًا حقيقيًا، وبادلتها البنات الصغيرات بحب أعظم.

وما أن انتهت مريم من دراستها في الجامعة حتى أعلنت علانية رغبتها للذهاب للدير لتعيش حياة البتولية في رهبنة في الدير.

حاول الأب بهدوء شديد أن يجلس مع مريم ويقنعها بأنها تستطيع أن تعمل وتصرف على أسر فقيرة، وأن تعيش حياة مقدسة في زواج مقدس فتنجب منه أولادًا مباركين كأعضاء في الكنيسة، ولكنها قالت ضاحكة: "خطيبي يزعل.. لقد وعدته أن أكون له ولن أخلف وعدي. لقد وعدت أني لحبيبي وحبيبي لي."

والجميل أن الأم بحركات يديها وملامح وإشارات وجهها كانت تشجعها على الثبات في وعدها المبارك.

اجتمعت الأسرة والمكوّنة من أخ كبير عن مريم وأخت تصغرها والأب والأم، وقد اتفقوا جميعًا أن يعدّوا وسيلة مواصلات ويذهبوا جميعًا مع مريم لكيما يقدموا ذبيحتهم للدير بكل فرح.

فرحت كثيرات من الراهبات وبالأكثر الأم الرئيسة وحتى أب اعتراف الدير، الجميع فرح بقدوم مريم مع أسرتها لأن هذا لا يحدث إلّا نادرًا في أسرنا المصرية، وقد أشادت بعض الراهبات بجمال مريم وقلبها المشتعل بالحب المقدس الذي للعريس السمائي.

عاشت مريم في هدوء ومحبة للجميع، ومواظبة على صلواتها وحضور التسبحة الليلية بالدير، وكمّلت أيام اختبارها وترهّبت مريم باسم "أمنا بارثينيا"، وكان أول عمل لها بوابة الدير.

من المؤكد أن أمنا لم يكن لها خبرة بكيفية التعامل مع الأمهات الكبار في السن، بالإضافة لعدو الخير الذي لم يتركها من سهامه الملتهبة نارًا، ولكن مريم كانت تلجأ لأب اعترافها، وكثيرًا ما كانت تدخل مخدعها وتغلق بابها وتنطلق في حديثها مع العريس الذي اختارته لنفسها، وكانت كثيرًا ما تشعر وتدرك صوت الرب يسوع في قلبها، وكانت في هذا تفرح وتتعزّى كثيرًا بما كان يضعه الرب يسوع عريس نفسها في قلبها.

كان من ضمن المتردّدين على الدير رجل كبير في السن من إحدى القبائل القريبة من الدير، كان يجيء ويقرع الجرس وبطريقة خشنة وكأن له حقًا أن يطلب طعامًا ويطلب شاي وسكر وصابون وهكذا أشياء كثيرة، وكان أكثر ما يغضبها منه أسلوبه وخصوصًا أنه جرحها يومًا قائلا: "ما دمتِ هكذا جميلة لماذا لم تتزوجي؟"، تألمت أمنا بارثينيا كثيرًا من هذا الرجل، ودخلت مخدعها لتطلب من الله أن يميت هذا الرجل حتى ترتاح منه ومن طلباته. لكن كما كان جاء إليها عريسها في مخدع الصلاة وسألها: "يا بارثينيا أتحبينني؟"، قالت بسرعة: "ربي أنت تعلم أني أحبك، بل أني مريضة حبًا". قال لها الرب في قلبها: "ألم تسمعي صوتي يومًا يقول: «أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»؟".

سجدت أمنا في قلايتها قائلة: "ربي وراعي نفسي، لقد أصبحت أحب هذا الرجل، وسأراك فيه تطلب مني، وأعطيك أنت بكل فرح".

 + ويومًا آخر طلبت منها إحدى الأمهات الكبيرات سنًا في الدير نوعًا معينًا من الدواء، فذهبت لتبحث عن هذا الدواء في صيدلية الدير، وتأخرت بعض الشيء في إحضار الدواء لأمنا الراهبة، وما أن مدّت يديها لها بالدواء حتى صفعتها الأم لتأخرها عليها كثيرًا. تألمت كثيرًا أمنا بارثينيا من هذا ولكنها ذهبت سريعًا لمخدعها لكيما تشكو أمنا الكبيرة في السن، صلت وقالت وهي جريحة: "أخبرني يا من تحبه نفسي ماذا أفعل ومشاعري قد اضطربت وقلبي يموج بالغضب؟ حقًا إني سوداء ولست جميلة بعد.. ولكني أسعى".

تكلم أيضًا الحبيب في قلبها قائلًا: "ألم تعرفي ماذا صنعوا بي عند الصليب أنا الحبيب؟ كيف ضربوني بالسياط وألبسوني ثوبًا للهزء ووضعوا في رأسي إكليلًا من شوك؟ أتذكرين أيضًا أني لم أردّ وجهي عن خزي البصاق؟"

بكت مريم كثيرًا من أجل ما احتمله عريسها.. قالت: "حقًا وأنت عريسي، أنت أبيض وأحمر. أبيض في نقاوتك ونورك وبهائك، وأحمر بجسدك المخضّب بالدماء من أجلي يا حبيبي يا ربي والهي. لقد غفرت لها كما غفرت أنت يا من تحبه نفسي لصالبيك على عود الصليب، حقًا لم أرَ حبًا أعظم من هذا". وشعرت في الحال أن قلبها عاد ينبض بحب أمنا العجوز.

وهكذا كانت أمنا مع الأيام والسنين تزداد نعمة فوق نعمة، وبهاءً ونقاوة في قلبها.

ولم يسكت الشيطان عنها فقد أعدّ لها سهمًا ملتهبًا نارًا، إذ حضرت إلى الدير فتاة هاربة من أبيها خوفًا من قتلها، ولكنها جاءت بحيلة من الشيطان لرئيسة الدير وقالت لها إنها ترغب في حياة الرهبنة في الدير، فأوصت أمنا الرئيسة أمنا بارثينيا أن تجلس معها وتعتني بها.

وما أن جلست أمنا بارثينيا مع الفتاة حتى تكلمت الفتاة بلسان الشيطان عن أمور صعبة وخطايا نجاسة مع كثيرين، وكانت تتعمّد أن تقول بنوع من التفاصيل بلا خجل وبكل صراحة وبألفاظ سوقية غير منضبطة، وكانت الفتاة تتكلم مع أمنا ومن طرف خفي تحاول أن تزيّن لها حياة الخطية، وأن الله يقبل التوبة في أي وقت. وأعلنت لها أن الرهبنة ليست بخاطرها ولكن هي هاربة من أسرتها وتحتمي بالدير.

تألمت أمنا كثيرًا مما سمعته من أمور كانت لاتعلم عنها شيئًا على الإطلاق، وجرت أمنا كعادتها لعريس نفسها في مخدعها، وكانت تبكي بكاءً مرًا صارخة كيف تدنّست مسامعها.

وجاء أيضًا العريس إلى قلبها بنبضات قوية في قلبها قائلًا: "يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، حوّلي عنى عينيكِ فقد غلبتاني لأني أُغلب بالدموع"، وطيّب خاطرها وكأنه يبتسم لها وقال لها: "نحن نجول نصنع خيرًا، أما العدو فيجول يصنع شرًا وسهامًا من نار"، وقد أزاح عن ذاكرتها كل ما سمعت من هذه الفتاة.

وفي الغد عرفت أن الفتاة وجدت رحلة راجعة للقاهرة وقد ركبت معهم. وكأن الشيطان كان قد أرسلها لرسالة معينة ولكنها ذهبت وذهبت معها أفكارها.

وعبرت الأيام والسنين وقاربت أمنا سن الخمسين، وكانت قد صارت بركة للدير ومحبوبة من الجميع، وكان البعض يلجأ إليها كثيرًا طلبًا للمشورة الروحية، وكانت أمنا ما زالت تلتقي بالعريس الملك السمائي وتسمع صوته في قلبها.

ولكن هذه المرة جاء العريس، ورأت أمنا نورًا قويًا بقلايتها وسحابة من البخور العَطِر، وإذا ملك الملوك يظهر لأمنا هذه المرة عيانًا، وكم كانت ابتسامته حلوة لها تخلب القلب وتهزّه من أعماقه، وناداها: "ياحمامتي في محاجئ الصخر، لقد تعبتِ كثيرًا من أجلي، وها أنتِ الآن جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس"، وقال لها هكذا: "ما أجملكِ وما أحلاكِ أيتها العروس لقد بلغتِ زينة الأزيان والآن لم يعد لكِ مكانًا في الأرض لقد آن أوان الزفاف

اليوم يا عروسي، ستكونين معي في الفردوس". وسمعت أمنا بارثينيا صوتًا كصوت مياه كثيرة يقول: "طوبى للمدعوين إلى عشاء عرس الخروف".

سجدت أمنا وقالت: "نعم تعال أيها الرب يسوع، وأنا يا عريس نفسي وملكي وإلهي لي اشتهاء أن أنطلق وأكون معك في كل حين، ذاك أفضل جدًا".

وإزداد النور قوة، وارتفعت سحابة البخور العطرة، وبالمصادفة كانت إحدى الأمهات تعبر من أمام قلاية أمنا بارثينيا واشتمت البخور ورأت النور، فذهبت سريعًا لأمنا الرئيسة لتخبرها بما رأت، وجاءت أمنا الرئيسة مع بعض الأمهات وعاينوا النور واشتموا رائحة البخور العطر، وطرقوا على بابها فلم تفتح.

فتحوا هم الباب ووجدوها ساجدة وفي يديها الكتاب المقدس مفتوح على سفر نشيد الأنشاد، ووجهها ممتلئ نورًا، وابتسامة خفية كابتسامة من هو ذاهب للقاء حبيبه...




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx