ونحن نقترب من أسبوع الآلام، نتذكر خيط الدم الذي يربط أسفار الكتاب المقدس كله، بدءًا من سفر التكوين حيث ذَبْح الرب حيوانًا وسفك دمه، وأَخذَ من جلد هذا الحيوان وصنع أقمصة لآدم وحواء، نبوءة بأن السيد المسيح سيسحق رأس الحية، نوح بعدما خرج من الفلك، قدم ذبائح للرب، إبراهيم عندما قدم ابنه إسحق ذبيحة على المذبح ورفع عليه السكين، وكاد أن يسفك دمه، فعُوِّض بكبش، يعقوب يقدم ذبائح، وكل الأسباط تقدم ذبائح على أنواعها. راحاب والحبل القرمزي.. الخ

وكأن الله يريد أن يقول لنا: إن ما يسترنا ويخلصنا نحن البشر من الخطية هو الدم، الذي سيُسفك من أجلنا بموته على الصليب عنا، هذا الذي سيبررنا، ويكسونا، ويصل بنا إلى ملكوت السموات.

ونتذكر هنا مفاعيل دم المسيح في حياتنا:

1- الدم يغفر الماضي: «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!» (عب9: 22)، فمهما أخطأنا قبل ذلك، أمس وقبل أمس، فدم المسيح يغفر كل هذا. ففي العهد القديم كان الإنسان الذي يخطئ، يحضر ذبيحة ويضع يده عليها، ويعترف بخطاياه فيخرج مبررًا. وهذا ما يحدث الآن، فعندما يعترف الإنسان تغفر له خطاياه، وبدون دم المسيح لن يحدث هذا الغفران؟ فدم المسيح القاني في الذبيحة الكفارية يغطينا ويسترنا من الخطايا، أمام العدل الإلهي.

2- دم المسيح يطهر الحاضر: «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1يو1: 7). مهما كانت الخطية فهو يطهرها. فهو يطهر القلب والضمير، وينظف القلب من الداخل. فالله يسامحني على الماضي، ويطهر لي الحاضر.

3- دم المسيح يقدس المستقبل: أي يكرّس ويخصّص ويدشّن الإنسان، فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية ترشم المعمد بالميرون 36 رشمًا، لتقديس الإنسان كله. بالتالي يصير الإنسان مُخصّصًا ومُكرَّسًا ومُفرَزًا لله، أي يكون هيكلًا للروح القدس «أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ» (1كو3: 16)، ويسكن الله فينا ويقدسنا من الداخل، وينزع ما في داخلنا من شرور وقباحة، فنصبح صورة له.

4- دم المسيح يثبّت: «مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ» (يو6: 56)، ففي كل مرة أتناول من جسد المسيح ودمه يسكن في داخلي المسيح بغنى وبقوة، وأستطيع أن أنتصر على الخطية «أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي» (في4: 13).

5- دم المسيح يُحيي: «مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِير» (يو6: 54)، وهذا هو نقل الدم الأبدي الذي يعطي لنا حياة أبدية خالدة في أورشليم السمائية.

فتعالوا يا أحبائي إلى دم المسيح.. تعالوا إلى شخص المسيح.. تعالوا إلى الصليب.. والمصلوب.. لنأخذ هذا الدم القاني.. الذي يغفر لنا الماضي، ويطهر لنا الحاضر، ويقدس لنا المستقبل، ويثبتنا فيه، وأخيرًا يعطينا الحياة الأبدية. له كل المجد!

وكل عام وأنتم في ملء بركة الإنجيل