اسم المستخدم

 

كلمة المرور

 

    
 
بحث
اللغه
select
السنة 5008 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 13-14

اخر عدد

نصف الحقيقة

سامح فوزي

08 أبريل 2022 - 30 برمهات 1738 ش

قد نجد أنفسنا في وقت من الأوقات نتعامل مع أنصاف حقائق، ولا ندرك الحقيقة الكاملة في أي موضوع.

تأتي نصف الحقيقة من مصادر شتى، ولأسباب عديدة:

+ كل شخص يعبّر عن رؤيته، وقناعاته، وإدراكه للأشياء. ليس سهلًا على كل الناس التجرُّد من مصالحهم الشخصية وتجربتهم الخاصة ومشاعرهم الداخلية عندما يقولون رأيًا أو يبدون نصيحة. وعندما يختلف شخصان فمن المتوقَّع أن نستمع إلى روايتين مختلفتين، ليست أيّ منهما كاملة. من هنا لا يوجد في العلاقات الاجتماعية طرف على حق كامل، وآخر على باطل مطلق، لأن لكل طرف موقفه، وإن مالت كفّة الحق في جانب أكثر من آخر، سيظل هناك بعض من الحق عند الطرف الثاني، وإن صغر قدره. في حوار مع شخص مثقّف حول المشكلات الزوجية، قال: «من الخطأ الاستماع إلى رأي طرف واحد، واتخاذ قرارات بناء على ذلك، لأن الحقيقة لا تظهر إلّا من خلال الاستماع إلى الطرفين معًا».

+ الناس الذين يمتلكون القدرة على الإقناع تكون فرصتهم أفضل في ترويج آرائهم، وللأسف أكاذيبهم أيضًا. أعرف شخصًا التقى منذ سنوات طويلة بعدد من السياسيين من تيارات مختلفة في إطار حوار حول المستقبل، وفي نهاية لقاءاته قال: «رغم أنهم جميعًا على خلاف، إلّا أن كل واحد منهم على حدة أقنعني برأيه». المسألة بسيطة. السبب يعود إلى قدرة كل واحد منهم على تسويق رأيه. في أحيان كثيرة نشتري أشياء خلاف ما نريد أو نمضي في طريق لم نخطط له من البداية لأن شخصا ذكيًا استطاع أن يزيّن لنا السبيل.

+ الزمن بخيل، يضنّ على الناس بالحقيقة كاملة، التي لا تظهر إلّا بعد فترة زمنية تطول أو تقصر، وقد لا تظهر على الاطلاق. هناك العديد من الأحداث التاريخية انشغل بها الباحثون لكنهم عجزوا عن الإلمام بكل تفاصيلها، ولا تزال بعض جوانبها إمّا مجهولة، أو تتنازعها آراء متضاربة، وتبقى الحقيقة الكاملة عند الله وحده. معظم الأحداث التاريخية الكبرى ينطبق عليها هذا الوصف.

+ الوهم صعب، يستبدّ بالعقول، ويتلاعب بأصحابها، ومن الطبيعي أن يحدّ الوهم من قدرة العقل على الوصول إلى الحقيقة كاملة. أعرف شخصية قضائية رفيعة، رحل عن عالمنا منذ سنوات، ذكر في لقاء حضرته أنه ينبغي أن ننقّي جيدًا ما نسمعه من الأوهام التي لا يستطيع المرء أحيانًا التخلُّص منها. أثناء عملي في محكمة الجنايات، والكلام للراحل الكريم، كنت أستمع إلى شهادة الشهود في قضية قتل، جاء لي شاهد يقول إنه رأى المتهم يضرب المجني عليه بالشومة ست مرات حتى قتله، في حين أنه كانت تكفي ضربتان على الأكثر لقتل الضحية. لم يكن الشاهد كاذبًا بالمعنى الشائع، لكن كانت قدرته على إنتاج الأوهام واسعة، وخياله يصوّر له أشياء خلاف ما حدث في الواقع.

+ المصالح تتصالح وتتخاصم، كل ذلك على حساب الحقيقة، عندما يتخاصم شخصان تظهر أشياء كثيرة، وعندما يتفق نفس الشخصين يأخذ الكلام مجرى آخر، ولا تُعرف أين الحقيقة. أعرف شخصًا كتب ما يشبه المذكرات عن علاقته بأبناء جيله ومهنته، وعندما اختلف مع بعض منهم عاد إلى ما كتبه، وأعاد صياغة الحكايات حتى تتفق مع طبيعة العلاقات بينهم في مرحلة الخصومة.

وإذا افترضنا الصدق في كل ما نراه ونسمعه ونقرأه، تظلّ هناك مسألة أساسية أنه بخلاف الإيمان والعقيدة، فكل ما نراه نسبي، يحمل الصواب والخطأ، وما نراه مفيدًا اليوم قد نكتشف غدًا ضرره، وما نتصوره الآن علاجًا لمرض قد يثبت العلم بعد ذلك قصوره، والحاجة الماسة إلى غيره. الحياة في حالة تغيّر. الله وحده هو الثابت، وما يحيط بنا من بشر وكلام متغير، وبالتالي لا توجد حقائق كاملة في أحيان كثيرة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق  
موضوع التعليق  

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx