اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 4916 يوليه 2021 - 9 ابيب1737 ش     العدد كـــ PDFالعدد 27-28

اخر عدد

قراءة في «سِيَر البِيعَة المُقَدَّسَة».. طَوْر التَّكوين (7)
جُهود النُّسَّاخ والمُهتَمُّين

شريف رمزي - باحث في التاريخ الكنسيّ

16 يوليه 2021 - 9 ابيب1737 ش

تناولنا في مقالاتٍ سابقة الدَّور الهام والمحوريّ الَّذي اضطلع به الشَّمَّاس الإسكندرانيَّ «مَوهوب بن مَنصور بن مُفرِّج»، في جمعِ سِيَرِ الآباء البطاركة الَّتي كانت مُتَفرِّقة على أيامهِ في عددٍ من الأديرةِ القديمة، ونقلها من اللُّغةِ القبطيَّة إلى اللُّغةِ العربيَّة. كما نوَّهنا أيضًا إلى اضطلاع موهوب -بشكلٍ أساسيّ- بمهمَّةِ نَسخِ النَّصّ المُترجَم وتحريره وصياغته: [يقول مَوهوب بن مَنصور بن مُفَرِّج الإسكندرانيّ الشَّمَّاس إنَّه لمَّا كان مَن تَقَدَّم قَد كَتَب سِيَر البِيعَة ورَتَّبَها وشرَح تَقَلُّب البَطارِكة بمَدينةِ الإسكندريَّة وما جَرى لَهُم وما أظهَره الله سُبحانه على أيديهِمِ مِن العَجائِبِ وأيَّدهُم به مِن الصَّبرِ والجِهاد وقوَّة الأمانة وإرشادهم لرَّعيَّتِهِم وهِدايتهم إيَّاهم إلى الأمانةِ المُستَقيمة وتَعليمهم الوَصايا الإنجيليَّة كما أمرَهُم الرَّبّ جَلّ اسمه؛ اشتَهَيت أنا الخاطِئ البائِس أنْ أجمَع جَميع سِيَرَهُم وأكتُبهُم ليَكون ذلك رِبحًا لي ولمَن يَقرأ بَعدي... وقد شَرَحت في أوَّلِ سيرَة أنبا اخرسطوذولُس كَيفيَّة نَسخي لهذِه السِّيَر وإقدامي مِمَّا هذا الخَبَر يَشهَد به، ما استَغنَيت عَن تَكريرِهِ في هذا المَوضِعِ... فلمَّا كَمُلَت لي وجود هذه السِّيَر ونَسَختها بخَطِّي وصارَت عِندي بالإسكندريَّةِ، وَجَب الآن أنْ أبتَدئ وأشرَح ما يَتلو ذلك...].

والدَّارس المُدَقِّق لكتابِ «سِيَر البِيْعَة المُقدَّسَة» يُمكنه ببساطةٍ أنْ يُفرِّق بين النَّصّ المُتَرجَم عن الأصلِ القبطيّ، وما أدخله موهوب من إضافاتٍ تتمَثَّل في أخبارٍ وأحداث عاصر بعضها بنفسه، أو اطَّلَع عليها في مصادرٍ تاريخيَّة مكتوبة، أو استقاها شَفاهةً من بعضِ أهل الثِّقة لا سيَّما أفراد عائلته. فالنَّهج الَّذي اتَّبعه الشَّمَّاس موهوب يعكس من جهةٍ دِقَّته واحترافيته، ومن جهةٍ أُخرى أمانته في النَّقلِ وإسناد الرُّوايات المُختلفة إلى أصحابها: [ناسِخ هذه السِّيرة وناقِلها البائِس المُذنِب الخاطئ المُقِرّ بآثامِهِ وخَطاياه، يَذكُر أنَّ جِدّه سُرور بن جِرجة أرشيدياقُن الإسكندريَّة  حَّكى له... وناسِخ هذه السِّيرة يعرف عمَّا نُقِل إلَيه مِن الثِّقات المؤمِنين... أنا البائِس الخاطِئ مَوهوب ناسِخ هذه السِّيرة صادِق عَن الأبِّ الأُسقُف أنبا أفراهام أُسقُف دمياط المُقَدِّم ذِكره أنَّه شاهَد... وفي نُسخةِ كِتاب تاريخ سعيد ابن بطريق المُتَطَبِّب يَذكُر...].

وبطبيعةِ الحالِ فإنَّ مؤلِّفي «سِيَر البِيْعَة»، كانوا في الوقتِ نفسه هُم النُّسَّاخ الأوائلِ للأجزاءِ الَّتي قاموا بتأليفها، وهذا الأمر واضحٌ في إشارةِ موهوب إلى اعتمادهِ على نُسخةٍ بخطِّ الأنبا ميخائيل الدِّمراويّ، الَّذي أرَّخ لعشرةِ بطاركة: [السِّيرَة الثَّالِثة والعِشرين للبِيعَة المُقَدَّسَة مِمَّا شَرَحه أنبا خائيل (ميخائيل) أُسقُف تِنِّيس، ونَقَلناه مِن خَطِّهِ في دَيرِ أبو مَقار، في أوَّلِ بَرمودة سَنة ثَمانِ مائة وأربَعة للشُّهَداءِ (27 مارس 1088م)، وفَسَّره الشَّمَّاس أبو حَبيب ميخائيل بن بٰدير الدَّمنهوريّ مِن القِبطيّ، مِن نُسخَةٍ بخَطِّ أنبا خائيل المَذكور].

ومن بين النُّسَّاخ القُدامى في دَيرِ نهيا (من أعمالِ الجيزة)، الَّذين اعتمد موهوب ومُعاونيه على مخطوطاتهِم المكتوبة باللُّغةِ القبطيَّة، لا سيَّما عند اختلاف الرُّوايات، تنفرِد مخطوطة هامبورج بالإشارةِ إلى اسمِ «الرَّاهب يعقوب»، ويرتبط اسمه بنُسخةٍ من النَّصِّ الخاصّ بتَقدِمة السَّيِّد المسيح كاهنًا في هيكلِ أورشليم، وهو نَصٌّ منحول له أصلٌ يونانيّ، وقد ضمَّنه موهوب في «سِيَر البِيْعَة» دونما علاقة عُضويَّة أو رابط بينهما، بخلافِ المكان الَّذي وِجد فيه ذلك النَّصّ وهو دَير السَّيِّدة العذراء بنهيا.

ثمَّة اسمٌ آخر تنفردُ مخطوطة هامبورج أيضًا بالإشارةِ إليه في ثلاثةِ مواضع منها: [وفي نُسخَةٍ أُخرى بخَطِّ «أبو البِشر بن الحروف» نَيَّح الله نفسه، بدَيرِ نَهيا، فيها بقيَّة سيرة الأبّ ديمتريوس... وجَدنا في سيرةٍ أُخرى بخَطِّ «أبو البِشر بن الحروف» نَيَّح الله نفسه، بدَيرِ نَهيا، أنَّه كان أثناسيوس كَتَب مِن النَّفي إلى عَذارى بالإسكندريَّة يَقول... هذا هو الاعتراف الحَسَن الَّذي يَقوله القِسّ عِند كَمال القُدَّاس، كما وجَدته مَكتوبًا بخَطِّ «أبو البِشر بن الحروف» في السِّيرة].

وفي مقالٍ مُهمّ بعنوان: ”مَن كتَب تاريخ البطاركة؟“، يتَّخِذ الدُّكتور صموئيل قُزمان مُعوَّض*، من التَّشابُهِ في الكُنيةِ بين ذلك النَّاسِخ من دَيرِ نهيا، والأنبا ساويرُس بن المُقَفَّع الَّذي اشتهَر قبل رسامته أُسقُفًا بالكُنيةِ نفسها (أبو البِشر)، مدخَلاً لتساؤلٍ مشروع عن إمكانيَّةِ أنْ يكون أبو البِشر المُشار إليه في مخطوطة هامبورج هو نفسه ساويرُس بن المُقَفَّع؟ لكن الدِّراسة المُتَعمِّقة للنَّصِّ تقودنا إلى الاعتقادِ بغيرِ ذلك.

فالمؤكَّد أنَّ «أبو البِشر ابن الحروف» كان راهبًا بدَيرِ نهيا، وإليه يرجع الفَضل في نِساخةِ بعض (أو كلّ) السِّيَر الَّتي وجدها الشَّمَّاس موهوب في ذلك الدَّير مكتوبة باللُّغةِ القبطيَّة، وعددها 42 سيرة (من مار مرقس الرَّسول، إلى البابا سيمون الأوَّل). صحيح أنَّ اسم ابن المُقَفَّع في بعضِ مؤلَّفاته ارتبط بتلك الكُنية عينها، الأمر الَّذي ساهم في زيادةِ رُقعَة الاعتقاد بدورٍ له في جمعِ وكتابة سِيَر الآباء البطاركة، لكن من المؤكَّدِ أيضًا أنَّ تلك الكُنية قد اقترنَت بلقبهِ ومركزه الوظيفيّ: «أبو البِشر ابن المُقَفَّع الكاتب». لذلك فالخَلط بين الرَّجُلَين يبدو أمرًا مُستبعدًا.

ومرةً أُخرى نؤكِّد على الدَّورِ المحوريّ الَّذي اضطلع به الشَّمَّاس والأرخُن الإسكندرانيّ موهوب بن منصور، والَّذي حمل على عاتقهِ -فضلاً عن جمعهِ للسِّيَر والإشراف على ترجمتِها ونسخِها والإضافة عليها- مَهمَّة الإنفاق على المشروعِ برُمَّتهِ من مالهِ الخاصّ، ليُسَجِّل اسمه بحروفٍ من نور كجامع للسِّيَر ومؤرِّخ وناسخ ومُهتَمّ، وهو دورٌ تفرَّد به موهوب بين جميع الَّذين أسهموا في تكوين «سِيَر البِيْعَة المُقَدَّسَة»، السَّابقين واللاَّحقين.

* أشكر من صميم قلبي الباحث المرموق في قسم القبطيَّات بجامعة مونستر الألمانيَّة الأستاذ الدُّكتور صموئيل قُزمان معوَّض، على تفَضُّلهِ بمُراجعة هذا المقال قبل مثوله للنَّشر.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx