اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5029 يوليه 2022 - 22 أبيب 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 27-28

اخر عدد

الاتحاد الزوجي: الاتحاد الجسدي - عظة الأربعاء 13 يوليو 2022م، من المقر البابوي بالقاهرة

قداسة البابا تواضروس الثانى

29 يوليه 2022 - 22 أبيب 1738 ش

تكلمنا عن خطوات محددة من أجل بناء الأسرة المقدسة، واتفقنا على أن الزواج والإعداد للزواج يبدأ بخمس خطوات مهمة وهي: الاتحاد الفكري ثم الاتحاد العاطفي ثم الاتحاد الروحي ثم الاتحاد الاجتماعي ويكتمل بالاتحاد الجسدي.

تكررت الآية: «من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا»، أربع مرات في الكتب المقدسة: في سفر التكوين، وفي إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وفي رسالة أفسس. رقم أربعة في الكتاب المقدس رقم الشمول، كأن الآية تخاطب كل أسرة مقدسة في أي مكان في العالم وفي أي زمان.

عندما خلق الله آدم قال عبارة مهمة «ليس جيدًا أن يكون آدم وحده»، لم يقل ليس جيدًا أن يُعمل آدم وحده، من أجل ذلك عندما يتحد الرجل والمرأة في سر الزيجة يكونان جسدًا واحدًا. سمح الله بسر الزيجة وبهذا الارتباط بين الرجل والمرأة خلال سر مقدس من أجل أن تكون حياة الإنسان في طهارة ونقاوة. الرجل رأس المرأة مثلما علّمنا معلمنا بولس الرسول أن هذا يعني أيضًا أن المرأة قلب الأسرة، لا نقدر أن نفصل الرأس والعقل عن القلب، بل يعمل الاثنان معًا، فحواء وآدم على درجة واحدة من التساوي أمام الله، وفي المسيح ليس ذكر أو أنثى.

القديس يوحنا ذهبي الفم رأى أبًا يبكي في زواج ابنته لأنها ستتركه، فقال له عبارة لطيفة جدًا: "البنت سيكتمل جسدها بالزواج"، أي أنها عندما تتزوج وتعيش مع زوجها ويصير الاثنان جسدًا واحدًا كما بيقول الكتاب.

دعونا نتأمل هذه المراحل الثلاث:

(1) يترك: الترك معناه النضوج، أن الإنسان يقدر أن يعيش ويتكفل بنفقاته. إنسان ناضج فكريًا وعقليًا واجتماعيًا وجسديًا، نسميها بلغة بسيطة "الفطام". لذلك من الضعفات التي نراها في مجالس الأحوال الشخصية أن يُقال: "فلان ده ابن أمه"، كبر ويعمل ويحقق دخلًا لكن ما زال على علاقة بالأسرة الكبيرة ولم يُفطم بعد.

(2) يلتصق: أي تكوين الجسد الواحد، جسد لا نراه بأعيننا لأنهم اثنان. الاتصاق يعني المسئولية، الزوج يترك أباه وأمه ويلتصق بامرأته، والزوجة تقول لها الكنيسة: "انسي شعبكِ وبيت أبيكِ"، أي أن انتماءكِ صار لزوجكِ وهي علامة نضوج. "انسي شعبكِ" لا تعني نكران جميل الأهل ولا التنصّل من مسئولياتنا تجاه أسرنا الكبيرة لأن الوصية تقول «أكرم أباك وأمك»، ولكن "انسي" هنا في الوضع الجديد الذي صرتِ فيه، واعلمي أن لك انتماء جديد.

(3) الاتحاد: الترك يقود للالتصاق، والالتصاق يقود إلى الاتحاد، الاتحاد الذي يعبّر عنه الكتاب ويقول: «ويكون الاثنان جسدًا واحدًا»، أي كيانًا زيجيًا واحدًا، وهذا الكيان الزيجي يعيش بثلاث كلمات: الاحترام - الاحتياج – الاحتواء، هذه الكلمات الثلاث هي سر سعادة الكيان الزيجي: الاحترام بين الاثنين، الاحتياج لأن مليهما يحتاج للآخر جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا وفكريًا، ثم الاحتواء كيف يحتوي كل فرد الآخر، وبما أن آدم خُلِق أولًا فعليه الاحتواء بدرجة أكبر لأن حواء كانت ضلعًا فيه.

الاتحاد يتم على المستوى الفكري والعاطفي والروحي والاجتماعي، وكل هذا يبدأ في فترة الخطوبة ويستمر في حياة الأسرة الجديدة طوال العمر، ويُكلَّل كل هذا باتحاد جسدي.

نريد أن الرجل يتمتع بالرجولة والمرأة بالأنوثة. الرجولة ليست العضلات ولا الصوت العالي ولا العنف ولا النظرة باستعلاء، الرجولة هي الأبوة (إعداد لأنك يتصبح أبًا)، والشجاعة والحماية، وأيضًا هي الجدية حتى الوصية تقول: «كونوا رجالًا». كذلك الأنوثة ليست الدلال أو المظهر، بل هي الأمومة (حتى قبل أن تنجب)، والبهجة لأن الزوجة هي سبب فرح البيت، وأيضًا الرقّة في التعامل.

ما هو هدف الله من الزواج؟

كل زواج هو محاكاة للأسرة الأولى:

تنتشر في العالم اليوم خطايا كثيرة كالمثلية والزواج المثلي، وهذه خطية من الدرجة الأولى مهما جاول العالم تزيينها وتشجيعها. يوجد شكل واحد فقط للأسرة: رجل وامرأة فقط ولا يوجد شكل آخر. هكذا صنع الله الأسرة، وكل زواج هو محاكاة للأسرة الأولى، أسرة آدم وحواء. ومن خلال السر ومن خلال تكوين الأسرة الجديدة يتم تنظيم الحياة الجنسية في العالم كله. الأعضاء التناسلية نسميها أعضاء الحياة. كل عضو في جسدك يخدمك، إلّا أعضاء الحياة أو الأعضاء التناسلية وضعها الله لكي تخدم البشرية كلها، من أجل التكليف الذي قاله الله للإنسان: «اثمروا وأكثروا واملأوا الأرض». العالم يخترع مبررات كثيرو للمثلية، البعض يقولون جينات، والبعض يقول مرض، وآخرون يقولون تربية... لكن المثلية اختيار وليست بالتكوين، يختار الإنسان بإرادته أن يمشي في تلك الطريق وهي طريق خطية. أتذكر أن المتنيح البابا شنوده لما سُئِل في هذا المجال قال: "إذا كانت خطية تحتاج توبة، وإذا كانت مرضًا تحتاج علاجًا".

لماذا خلق الله الجنس؟

(أ) خلق الله الجنس في الإنسان لأن الله من محبته يريد أن يشركه معه في خلقة إنسان جديد، فالله يحب أن يشترك الإنسان معه في العمل مثلما طلب من الخدام أن يملأوا الأجرام ماء في معجزة عرس قانا الجليل، ومثلما طلب من اليهود أن يرفعوا الحجر عن قبر لعازر قبل أن يقيمه... الله يريد أن يشترك الإنسان معه في أدق وأخص الخصوصيات وهي خلقة إنسان جديد في العالم، فجعل سر الزيجة ينظم هذا العمل باتحاد رجل واحد بامراة واحدة.

(ب) الجنس أسمى تعبير عن الحب، لأن الرجل يمنح ذاته للمرأة وهي كذلك، كلٌّ منهما يقدم ذاته للآخر، وهذا هو فن إسعاد الآخر، يتفنّن كلٌ منهما كيف يسعد الآخر. الاتحاد الفكري والعاطفي والروحي والاجتماعي يُكلَّل ويكتمل بالاتحاد الجسدي، والمفترض أن هذه العلاقة لا يعلم بها أي إنسان مهما كان قربه من الطرفين ولا يسوغ لأيهما الحديث مع أحد عن هذه العلاقة التي نسميها قدس أقداس العلاقات الإنسانية، ولا تكون إلّا في الزواج.

(ج) الجنس يحقق مفهوم الالتصاق والوحدة، وهي وحدة مقدسة ومفرحة، ولا يوجد فيها شيء دنس. يقول الكتاب: «لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عب13: 4)، فنحن نؤمن تمامًا بقداسة هذه العلاقة الخاصة.

إذا وُجِد الاتحاد فكري ثم العاطفي ثم الروحي ثم الاجتماعي، يكون الاتحاد الجسدي ممتعًا ومشبعًا ومرضيًا ويعطي قوة للطرفين. أمّا إذا عاب أحد هذه الاتخادات الأربعة، يصبح الاتحاد الجسدي عملًا ميكانيكيًا ليس له أيّة قيمة، وليس له أيّة نتائج مفرحة للطرفين، ولا يحقق المعنى الذي قصده المسيح.

العلاقة الخاصة بين الزوجين هي علاقة كيانية، وليست علاقة استهلاكية، بينما خطية الزنا علاقة استهلاكية، لا فيها حب ولا احترام ولا احتواء ولا احتياج حقيقي، لكن كل طرف يستهلك الطرف الآخر. الجنس أمر مقدس طاهر، وهو طاقة حب، وليس من صنع الشيطان، ولا هو شيء قبيح، ولا ضعف بشري، بل أودعه الله في الإنسان لغاية مهمة. أمّا الذين يمارسون الجنس قبل الزواج، فيكونون مثل من يأكل ثمرة قبل نضجها. ممارسة الجنس خارج الزواج أو قبل الزواج تشوّه حياة الإنسان. احفظ نفسك طاهرًا واحفظي نفسك طاهرة، لا تستهينوا بالخطايا الصغيرة، انتبهوا واحفظ نفوسكم طاهرين. العلاقات الغير سوية، والعلاقات التي قبل الزواج، أو بعد الزواج خارج الزواج، هي علاقات خاطئة وتُعتبر خطية كبيرة.

الزواج سر مقدس، وهو قمة العلاقات الإنسانية، وهو أيقونة الكنيسة، وهو أيضًا مصنع القديسين. الزواج في المفهوم المسيحي مُكرَّم، زوج واحد لزوجة واحدة، وفي الكتاب المقدس يقول: «لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ» (1كو7: 3). كلمة "يوفي" أي أن على كل من الزوجين دينًا نحو الآخر، وهنا تظهر أجمل صورة للعلاقة الخصة بين الرجل والمرأة في الزواج، صار هو لأجلها وصارت هي لأجله؛ حتى الامتناع عن هذا الاتحاد أو هذه العلاقة الخاصة، يقول الكتاب وبتدقيق شديد إنه يكون بموافقة (1كو7: 5)، فلا بد أن يوافق الطرفان على الامتناع عن العلاقة سواء للتفرغ للصلاة أو الأسرار أو الحياة الروحية. القديس يوحنا ذهبي الفم له عبارة خطيرة جدًا، يخاطب الزوجة التي امتنعت عن العلاقة الخاصة مع زوجها ويقول: "إذا تعففت الزوجة بدون رغبة زوجها فما فائدة الصوم الذي تمارسه طالما أن المحبة قد تحطمت؟".

الخلاصة أن هذا الاتحاد الجسدي ينجح ويثمر ويشبع ويفرح بثلاث كلمات: الاحترام بين الطرفين، الاحتواء بينهما، الاحتياج كلٌّ منهما للآخر.

يعطينا مسيحنا أن تكون أسرنا أسرًا مقدسة مباركة، ولإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد أمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx