الخدمة الكنسية مصطلح مسيحي واسع وكبير، وله علوم ونظريات وخبرات وأبحاث، ويُقصَد بها كل ما تقوم به الكنيسة من أعمال وأنظمة وأنشطة وبرامج، وكل ما تقدمه من تعليم وتربويات، عقائد وممارسات، على كل المستويات ولكل قطاعات الشعب في كل مكان سواء في مصر أو خارجها.
والسيد المسيح الذي أسس الكنيسة وفداها بدمه الثمين وضع لنا أساسيات الخدمة الكنسية المتكاملة، والتي عبّر عنها القديس بولس الرسول في رسالته الثانية لتلميذه تيموثاوس وفي الأصحاح الرابع من هذه الرسالة بقوله: «وأمّا أنتَ فاصحُ في كُلِّ شَيءٍ. احتَمِلِ المَشَقّاتِ. اعمَلْ عَمَلَ المُبَشِّرِ. تمِّمْ خِدمَتَكَ» (تيموثاوُسَ الثّانيةُ 4: 5). ويُعتبر هذا الأصحاح آخر ما كتبه القديس بولس واضعًا خبرته واختباراته وقد استودعها في تلميذه تيموثاوس وفينا نحن أيضًا حيث يؤكد على:
(١) اصحُ في كل شيء: الخادم الحقيقي يكون منتبهًا متيقظًا في أحوال خدمته الزمنية والمكانية والحياتية وليس غافلًا.
(٢) احتمال المشقات: لأن الخدمة الناجحة والمقبولة تحتاج أتعابُا وأسهارًا أو أصوامًا ومشقات كثيرة، وهذه كلها تنبع من الحب الذي يملأ القلب والكيان والحياة كلها.
(٣) اعمل عمل المبشر: البشارة كلمه تعني الفرح، ولذا فإن الخادم هو حامل الفرح وناقل الفرح إلى من يخدمهم بكل صوره وبكل معنى. إنه مُقدِّم الفرح الذي تحتاجه الإنسانية.
(٤) تمم خدمتك: وهنا نأتي إلى الخدمة المتكاملة التي هي الوصية الحقيقية المطلوبة لتكون خدمة مقبولة، يقبلها السيد المسيح كعمل حب خالص بلا غرض أو هدف سوي تمجيد اسمه القدوس.
المقصود بالخادم هو الشخص الذي أُوكِل إليه العمل في منظومة الخدمة الكنسية، سواءً أكان أسقفًا أو كاهنًا أو شماسًا أو خادمًا أو خادمة من غير الإكليروس، في كل مجالات عمل الكنيسة، ومع أي مستوى من مستويات وقطاعات ونوعيات الخدمة المُقدَّمة، لتكون خدمة متكاملة مقبولة ومفرحة لقلب المسيح.. وحتى ما يكون الأمر واضحًا ومُحدَّدًا يجب أن تقوم الخدمة الكنيسة المتكاملة على ثلاثة أضلاع متساوية لتحقق النجاح المنشود:
١- الرعاية ٢- الإدارة ٣- الدراسة
أولاً: الرعاية:
هي الضلع الأول، وتشمل أساس عمل الخادم والذي يقوم على الصلاة والتعليم بكل الأشكال الكنسية (داخل الكنيسة) أو غير الكنسية (خارج الكنيسة)، لأننا بالصلاة نخاطب الله الذي أحبنا وأوجدنا وخلصنا، كما أننا بالتعليم نفهم ونعي عمله في حياتنا ومقاصده.
وعلى الرغم من أن الرعاية عمل شامل للجميع، إلّا أن أهم صوره الكنسية هي "الاعتراف"، وممارسه سر التوبة كنسيًا والاهتمام الشخصي من أب الاعتراف بمن يعترف عنده، ويقوده في مسيرة روحية، ويحفظ نقاوته وسيرته وسط جيل معوج ملتوٍ لكي يضيء بينهم كأنوار في العالم (فيلبي2: 15).
أمّا الصورة الأخرى في الرعاية الكنسية فهي "الافتقاد" في سائر الخدمات، وبالأخص افتقاد الأب الكاهن والأب الأسقف لكل أسرة في محيط منطقة رعايته. والافتقاد الأسرى الروحي أحد معالم الخدمة الكنسية والتي تميز كنيستنا القبطية عبر العصور، ولذا ننادي الأب الكاهن أو الأب الأسقف بتعبير "أبونا"، وهو تعبير أصيل له مغزاه وقيمته في حياتنا بشكل عام.
على هذا الأساس تكون الرعاية الضلع الأساسي في تتميم الخدمة الكنسية بكل ما تشمله فرديًا (سر الاعتراف) أو أسريًا (الافتقاد المنزلي) أو اجتماعيًا (الاجتماعات المتنوعة).
ثانيًا: الإدارة
وهي الضلع الثاني، وعلوم الإدارة في كافة مجالات الحياة تُعتبر هي مفاتيح النجاح سواءً سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا أو صناعيًا أو زراعيًا أو علميًا، فضلاً عن أهميتها في إدارة الكنيسة وبرامجها وأنشطتها؛ وهي تشمل ثلاثة ملامح رئيسيه:
أ) تخطيط الوقت: لأن الوقت وزنة إلهية للإنسان لا تُعوَّض، حيث يمنح الله كل إنسان 24 ساعة يوميًا بالتساوي بين جميع البشر، وهنا يأتي دور الإنسان وكيف يتصرف في هذه الساعات يوميًا التي هي عمر الإنسان وسنوات حياته، وقال أحد الأدباء: "ليس صوابًا أن نقول إن الوقت يمضي، الصواب أن نقول إننا نحن الذين نمضي"؛ ووضع خطة زمنية واضحة المعالم والتفاصيل لعمل الكنيسة أمر غاية في الأهمية حيث الوصية: «انظروا كيف تسلكون بالتدقيق (بكل دقّة وفي كل دقيقة) لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أفسس 5: 15).
ب) استخدام الإمكانيات: في كل كنيسة وفي كل خدمة وفي أي مكان توجد إمكانيات هائلة سواء بشرية أو مالية أو فنية أو مكانية... والمهم كيفية الاستخدام الأمثل لهذه الامكانيات المتاحة وتوظيفها بتوازن وبحكمة، واستخدامها في صالح خدمة الكنيسة المتكاملة، وتحقيق النجاح والإنجاز بكل ما هو موجود حتى لو كان خمسه أرغفة وسمكتين!!
ج) اكتشاف المواهب: إن عمليه اكتشاف المواهب سواء بين الصغار أو الشباب أو الكبار من النساء والرجال، ثم تشجيع هذه المواهب على الظهور وتقديم ما لديهم في المناسبات الكنسية المتعددة، يُعتبر صورة من مفاهيم الإدارة الناجحة والتي تخدم المجتمع والوطن، وكثيرون ممن لمعت مواهبهم على المستوى الوطني أو العلمي كانت بدايتهم بين أروقة الكنيسة.
ثالثًا: الدراسة
الدراسة هي الضلع الثالث والمكمِّل لمنظومة الخدمة الكنسية المتكاملة، والهدف هو المعرفة والتعمُّق في كافة المجالات، بهدف الشبع المعرفي والفكري والنمو في القامة الروحية والعلمية والدينية. لكن يوجد هدف آخر وهو التجديد فيما يُقدَّم، فليس مناسبًا التكرار الممل أو الفقر في الإبداع... الآن وسائل تقديم المعرفة -بصورة عامة- تقدمت فنيًا وتكنولوجيًا بخطوات واسعة للغاية، ويجب أن نكون سبّاقين فيها من خلال عملنا وخدمتنا.
والدراسة سواء على المستوى الفردي للخادم (سواء أسقفًا أو كاهنًا أو راهبًا أو شماسًا أو...)، خاصة في مجال اللغات والتاريخ وتقاليد وعادات الشعوب الأخرى والكنائس الأخرى، أو الدراسة على المستوى الجماعي وتشجيع المؤمنين -كلٍّ حسب مستواه- في الاستزادة من المعرفة الإنجيلية والروحية والكنسية أيضًا، يُعتبر ضرورة لازمة، وهكذا نعيش الوصية.
«تَمِّمْ خِدمَتِك»