كيف ينجح الحوار الذي يتم داخل البيت؟
الحوار ليس بالكلام فقط. الحوار بالكلام نسمّيه "الحوار اللفظي"، لكن هناك حوار بكل أعضاء جسم الإنسان. الحوار اللفظي بالكلام يشكّل 40% من الحوار، لكن يكمل الحوار باستخدام أعضاء الجسم مثل العين وحركة الفم حركة اليد... وهذه الأشياء تُدرّس في علوم الصحافة والخطابة والاجتماع. عندما تقابَل السيد المسيح مع المرأة السامرية، شجعها بالرغم من أن هناك خطية في حياتها، وعن طريق تواصل السيد المسيح مع السامرية وحواره معها، ربح المدينة كلها.
الحوار ليس معركة ندخلها حتى نتشاجر، أو لكي يثبت طرف أنه على صواب والآخر على خطأ. الحوار فنّ له أسس وقواعد، شيء من العلم وشيء من الفلسفة وشيء من الحكمة. الحوار يعبّر عن التفكير، وتقدير الموقف. بعد الحرب العالمية الثانية والتي مات فيها ملايين وانتهت سنة 1945، ابتدأ العالم يدرك أن الحوار والتفاوض أفضل من القتال، وأصبحت هناك صياغة ثانية للعلاقات الإنسانية، فمثلًا بدل الحرب هناك المفاوضات، وفي التعليم بدل المحاضرة (شخص واحد يتكلم والباقي يسمعون) أسموها المحاورة (في اتجاهين)، في مجالات الاقتصاد الحوار قائم من خلال الدعاية، وأصبح العالم مليئًا بالبرامج الحوارية (talk shows).
الحوار قرار واستمرار وليس شجارًا، قرار أن أقبل الحوار مع الطرف الآخر، بشكل مستمر، ليس فيه أي نوع من الشجار. الحوار يحتاج نفسًا صاحية وعقلًا واعيًا يفهم ويتناقش بحسب حجم الموضوع.
(1) الإنصات
في الحوار يجب أن تنصت بينما يتكلم الآخر، الإنصات يعني الاستماع الجيد، والاستماع الجيد هو محاولة فهم الآخر، ضع نفسك مكان الآخر. أحيانًا في الحوار يتصنّع أحد الطرفين أنه يسمع بينما هو مشغول بشيء آخر (مثل الجريدة أو الموبايل)، هذا ليس إنصاتًا! الإنصات أن تنتبه بالكلية للطرف الآخر.
هناك أيضًا الاستماع الاختياري، وهو ما نراه كثيرًا عند الحوار مع أولادنا المراهقين، حيث يسمع الفتى أو الفتاة ما يعجبهما فقط.
هناك أيضًا للأسف مَن لا يحس بالكلام ولا يتفاعل معه أو يتأثر به. لا يركز في الحوار، بينما هناك من يسمع بكل كيانه، إنسان عاطفي يسمع وهو مهتم مهما كان الموضوع صغيرًا.
قلت لك في المرة الماضية، إنه من كثرة المعاملات بين الزوجين، يتكون قاموس كلمات خاص بهما، وكلما كان هذا القاموس به كلمات محبوبة يكون الكلام حلوًا، ويشتاق الواحد أن يتكلم مع الآخر مهما كان الموضوع بسيطًا أو متكرِّرًا. لكن تذكّروا أن الرجل بصفة عامة كلامه قليل، ممكن أن يقضي وقتًا طويلًا لا يتكلم. على الجانب الآخر الكلام يعطي للمرأة متعة كأنها تحقق ذاتها من خلال الكلام، ونلاحظ أن البنت الصغيرة تتكلم قبل الولد، فالكلام بالنسبة للبنت يحقق لها متعة، وتحب أن تتكلم وتستفيض في الكلام. لذا يجب على الرجل أثناء الحوار أن يحترم كثرة كلام امرأته، ويجب على الزوجة أن تحترم الاختصار في كلام زوجها.
(2) الصراحة:
أجرينا اختبارًا بين مجموعة من الشباب ووالديهم، وسألنا إحدى الأمهات: ما هو أكثر شيء ينجح الزواج؟ قالت: الصراحة. الصراحة تبني الثقة، وكلما وُجِدت الصراحة في البيت كان البيت قويًا. لذلك يجب أن يكون الحوار في البيت حوارًا مفتوحًا، فيه مكاشفة، ونقاش دون فرض الرأي، ولكن أهم ما فيه الصراحة دون أدنى تجريح. الصراحة فيها حكمة، ومكاشفة دون أي تجريح بأيّة صورة من الصور.
(3) استخدام الكلمات الحلوة
يستخدم الإنسان في الحوار اللفظ الذي فيه لطف. وصية الكتاب المقدس تقول: «كونوا لُطَفاءَ بَعضُكُمْ نَحوَ بَعضٍ، شَفوقينَ، مُتَسامِحينَ كما سامَحَكُمُ اللهُ أيضًا في المَسيحِ» (أفَسُسَ 4: 32). الخطأ وارد من أحد الزوجين، والسهو وارد، لذا يجب على الطرف الآخر استخدام الألفاظ الحلوة. كلمة "حاضر" كلمة جميلة، "من فضلك"، "أشكرك"، "ربنا يخليك لنا"، "أنت فرحتنا"... الكلمات الرقيقة تنساب للوجدان، ولها تأثير كمثل تأثير المياه للغروس الجدد أي أنها تنتعش المشاعر، وتساعد في تحقيق الحوار الناجح.
(4) إظهار الحب واحترام مشاعر الآخر:
الأصحاح الثالث من رسالة معلمنا يعقوب الرسول يتكلم عن ضبط اللسان. معظم المشكلات -إن لم يكن كلها- سببها عدم ضبط اللسان. واللسان والحنجرة والكلام هي ما تميّز الكائن البشري عن باقي المخلوقات. «بهِ نُبارِكُ اللهَ الآبَ، وبهِ نَلعَنُ النّاسَ الّذينَ قد تكوَّنوا علَى شِبهِ اللهِ» (يَعقوبَ 3: 9)، يا لها من معادلة صعبة جدا! احترام مشاعر الآخر هو قمة الشعور الإنساني النبيل. انتقاء الكلمات المناسبة عندما يكون الآخر مجروحًا، والإنصات الجيد، هي أحد وسائل احترام شعور الآخر.
يجب أن يُظهر الزوجان حبهما لبعضهما البعض، أن يحترم أحدهما الآخر، ويكون كلاهما سببًا في نجاح الآخر. إظهار الحب بكل المشاعر الحلوة يضيف بسمة على الحياة. كلمة لطيفة ذُكِرت في موقف ما هما فقط يعلمانه، تعطي إحساسًا أن هذا الطرف واقف مع الآخر، ويريد أن يسعده.
(5) الوقت:
أكثر ما يعاني منه الإنسان الأجهزة التي تسرق وقته مع الآخر. لا تجعلوا الجلوس أمام التليفزيون أو النت أو الموبايل يسرق وقتكما. أثمن شيء تقدمانه لبعضكما هو الوقت. وقت لكما أنتما الاثنين لا تنشغلان فيه بأي شيء. «فانظُروا كيفَ تسلُكونَ بالتَّدقيقِ، لا كجُهَلاءَ بل كحُكَماءَ، مُفتَدينَ الوقتَ لأنَّ الأيّامَ شِرّيرَةٌ» (أفَسُسَ 5: 15-16). لاحظا كيف ارتبط التدقيق بالحكمة، الذي يستغل الوقت حسنًا هو حكيم. أجمل استغلال للوقت هو التواجد معًا، وقد حدثتكم سابقًا عن سعادة التواجد.
هذه خمس ملاحظات تشجع على الحوار الحسن، إذًا ما الذي يجعل الحوار غير مثمر؟
(1) الصمت:
أحد الطرفين يتكلم والآخر صامت، إمّا متجاهل الآخر، أو أنه في حالة انطواء، أو يتصنّع الغضب، أو ليبيّن عدم اكتراثه بالكلام... كل هذه السلبيات تضيّع الحوار. الصمت يتسبب في الخصام، والكتاب علّمنا «لا تغرب الشمس على غيظكم» (أفسس 4: 26).
(2) الثرثرة:
أن يتكلم الشخص ويتكلم، من موضوع لآخر... ويحدث تشويش ويغيب المنطق ويغيب الوضوح وتغيب الجدية. لكي ينجح الحوار يجب أن يكون الحوار محددًا: سنتحدث عن كذا فقط.
(3) الدموع:
الدموع تقطع الحوار، وتخرجه عن العقلانية. وأحيانًا تستغل المرأة الدموع كوسيلة ضغط على زوجها. الدموع تضيّع معنى الحوار نهائيًا. ليكن حواركم بعقل وبحكمة وبألفاظ رقيقة، وللمشاعر لها وقت آخر.
(4) الغضب:
النار لا تطفئ النار، ولكن الماء يطفئ النار. الغضب كالنار، إذا غضب أحد الزوجين، فيجب على الآخر أن يكون كالماء. الغضب يظهر في الصوت العالي، النقد الشديد، الإهانة... الغضب يقطع الحوار.
(5) قلّة الوقت
فقد يسرق التليفزيون الوقت، وقد يسافر أحد الزوجين ويبعد عن الآخر، العمل المنهك للإنسان...
أخيرًا: انتبهوا أيها الأزواج وأيتها الزجات لأن هذه هي مفردات الحوار الناجح، فهذه هي مفردات الحوار الناجح، لكي يكون التواصل بالكلام أحد أسباب نجاح حياتكم. أنصحكم بقراءة الأصحاح الثالث من رسالة معلمنا يعقوب لتعرفوا قيمة الكلام.. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد.