تنعقد الجمعية العمومية الحادية عشرة لمجلس الكنائس العالمي في ألمانيا في الفترة من ٣١ أغسطس إلى ٨ سبتمبر ٢٠٢٢م، تحت شعار «محبة المسيح تحرك العالم نحو المصالحة والوحدة – Christ's love moves the world to reconciliation and unity.»
والجمعية العمومية لمجلس الكنائس العالمي تجتمع كل سبع سنوات، ويحضرها ممثلون عن جميع الكنائس الأعضاء في المجلس. وتهتم الجمعية العمومية بمراجعة العمل المسكوني ووضع خطوط عريضة للعمل المسكوني المستقبلي.
وأود أن أطرح رؤية شخصية لمستقبل العمل المسكوني بناءً على ما اكتسبته من معرفة من خلال اشتراكي في العمل المسكوني منذ عام ١٩٨٣م.
أولًا: الوحدة المسيحية:
بدأت الحركة المسكونية مع بدايات القرن الماضي بهدف واضح هو تحقيق الوحدة المسيحية، متخذةً شعارًا لها صلاة السيد المسيح «ليكون الجميع واحدًا» (يو١٧: ٢١). رغم المجهودات المخلصة لتحقيق هذا الهدف النبيل، فإن الواقع أن هذا الهدف صار بعيدًا عن التحقيق عمّا كان علية الوضع عندما بدأت الحركة المسكونية، فالاختلافات اللاهوتية زادت، والانقسامات أيضًا زادت. لم يحدث أن توصل العمل المسكوني على مدى مايقرب من مئة عام إلى اتفاق لاهوتي انعكس إيجابيًا على استعادة الشركة، ولم يحدث أي مثال لاستعادة الشركة بين الكنائس، بل حدث العكس: كنائس في شركة مع بدايات العمل المسكوني حاليًا قطعت الشركة. لقد صار الحديث عن الوحدة المسيحية حديثًا جميلًا يُقال في اللقاءات المسكونية دون مردود حقيقي واقعي، بل أحيانًا صار قول حقّ يُراد به باطل من البعض لاستغلاله في خداع البسطاء ودفعهم إلى ترك كنائسهم والانضمام إلى اجتماعات تدّعي أنها لا طائفية، أو وصف المتمسكين بالإيمان السليم والسعي الحقيقي للوحدة بالتعصُّب وضيق الأفق.
ثانيًا: الشهادة أ المشتركة:
حدث تطور في السنوات الأخيرة في المجالس المسكونية فصارت تركّز على الشهادة المشتركة Common Witness بدلًا من الوحدة المسيحية، بمعنى قبول الاختلافات اللاهوتية لكن تحديد بعض المجالات للعمل المشترك وتقديم شهادة مسيحية مشتركة، مثل مواجهة الفقر والظلم والحروب وتغيرات المناخ...
ثالثًا: الفهم المتبادل:
الحوارات اللاهوتية صارت تركز على الفهم المتبادل Mutual Understanding أكثر من تحقيق اتفاق حول نقاط الخلافات اللاهوتية، فمثلًا يتم مناقشة موضوع معين، ويعرض كل طرف وجهة نظره من خلال أوراق بحثية، ثم يتم تحديد نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف، ثم ينتقل الحوار إلى نقطة خلافية أخرى...
أثمرت اللقاءات المسكونية عن تعارف بين القيادات الكنسية، ومجالات للتعاون المشترك في بعض المجالات الرعوية مثل توفير أماكن للصلاة أو عقد اتفاقات رعوية أو دعم المسيحيين المُضطهَدين، مع تبادل الزيارات على مستوى القيادات الكنسية.
إن اشتراك كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في العمل المسكوني -سواء من خلال عضوية المجالس المسكونية أو الحوارات اللاهوتية أو تبادل الزيارات- أفاد كنيستنا كثيرًا، ولكن علينا أن نكون واقعيين ومدركين للمتغيّرات الحادثة في العمل المسكوني. علينا أن نستخلص من اشتراكنا في العمل المسكوني ما يدعم رسالة كنيستنا الرعوية نحو شعبنا، ونتعرف على التيارات الفكرية المتغيرة لنحافظ على ثوابت الإيمان المُسلَّمة لنا بدماء شهدائنا وتعب آبائنا القديسين.