اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5012 أغسطس 2022 - 6 مسرى 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 29-30

اخر عدد

العذراء وسر التجسد

القس إبراهيم القمص عازر

12 أغسطس 2022 - 6 مسرى 1738 ش

تمثل العذراء مريم بشخصها وعملها جانبًا رئيسًا في قصة خلاصنا وتجديد طبيعتنا، فبحسب تعبير القديس كيرلس الكبير: "إننا نؤكد أن الابن وحيد الجنس قد صار إنسانًا، حتى إذ يولد من امرأة حسب الجسد، يعيد الجنس البشري فيه من جديد".

لذلك كان الإايمان بأمومة العذراء مريم ودوام بتوليتها، هو الضامن لفهم سليم لحقيقة تجسد الرب يسوع. لذلك صاغت الكنيسة العقيدة الكتابية الخاصة بأمومة القديسة مريم ودوام بتوليتها، خلال صراعها ضد الهرطقات، لتأكيد حقيقتين تخصان السيد المسيح نفسه:

الحقيقية الأولى: حقيقة الميلاد الزمني: إن يسوع المسيح قد وُلِد ميلادًا حقيقيًا وكاملًا من القديسة مريم في الزمن، فلم يكن خيالًا أو مجرد جسد أثيري، ولم يتخذ طبيعة بشرية ناقصة، لكنه اتحد بطبيعة بشرية كاملة وصار إنسانًا كما قال البشير يوحنا في إنجيله.

الحقيقة الثانية: حقيقة الميلاد الأزلي: إن يسوع المسيح المولود من القديسة مريم في الزمن، هو ابن الله الكلمة، المولود من الله الآب قبل كل الدهور، والمساوي له في الجوهر.

لقد كانت الكنيسة في بداية عهدها تموج بكثير من الأفكار الفلسفية للداخلين الجدد، التي ظهرت من خلال بعض الأفكار المنحرفة (كالغنوسية، والمانية، والأوطاخية...)، التي تنكر كمال الطبيعة الإنسانية. فجاء تعبير "والدة الإله - الثيؤطوكوس" لتأكيد حقيقة أن الابن الكلمة أخذ طبيعة بشرية كاملة، فجسده لم يكن خيالًا، وميلاده من مريم العذراء هو ميلاد حقيقي، وبالتالي هي أم حقيقية (أم الله)، التي اتخذ منها الله الكلمة طبيعة بشرية واتحد بها.

وعندما جاءت الآريوسية والنسطورية لتنكر كمال طبيعته الإلهية، بكونه الابن الكلمة المساوي للآب في الجوهر، كان هذا اللقب (ام الله) هو لإعلان أن السيد المسيح هو الله المتجسد وليس مجرد إله شبيه لله في الجوهر (كما علّم آريوس)، وأنه ليس مجرد إنسان عادي حلّ فيه الكلمة في المعمودية (كما علّم نسطور)؛ فالعذراء ليست أم الإنسان يسوع، بل هي بالحقيقة "والدة الإله".

ثم جاء تعبير "الدائمة البتولية" للتـأكيد على أصل الرب يسوع، الأصل الإلهي، من الروح القدس «الروح القدس يحلّ عليكِ، وقوّة العليّ تظلّكِ، فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله»، فالجنين الذي كان في أحشاء العذراء. ليس مجرد إنسان عادي من زرع لشر. بل هو القدوس، ابن الله الكلمة، الإله الحق من الإله الحق «الذي فيه يحلّ كل ملء اللاهوت جسديًا»، وأنه أتخذ ناسوته في الزمن من مريم العذراء. كما أن اللاهوت والناسوت اتحدا منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس (زمن صفر) اتحادًا حقيقيًا وكاملًا وطبيعيًا، بلا امتزاج ولا اختلاط ولا تغيير، حتى دعاها آباء الكنيسة بالمعمل الالهي.

التجسد، في إيماننا، هو تنازل الله الكلمة في ملء الزمن، واتحاده في بطن العذراء بناسوت حقيقي وكامل، ثم ميلاده منها ميلادًا حقيقيًا، ليشابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها، وكل ما هو غير ذلك يُعتبر ضد الإيمان المسيحي. لقد رفضت الكنيسة كلًا من الغنوسية والمانوية واللتين اعتقدتا بظهور إلهي بلا جسد مادي، فهو مجرد صورة إنسانية فقط، وكان هذا يعني أن العذراء لم تحبل ولم تلد الله الكلمة، وهذا بدوره لا يؤدي فقط إلى إنكار "Theotokos"، بل هو إنكار صريح لعقيدة التجسد. والآريوسية بدورها، عندما أكدت أن الابن مخلوق وليس هو الأقنوم الثاني الأزلي، كانت في الواقع قد أنكرت التجسد؛ لأنه بدون الاعتراف الصريح بلاهوت الابن لا يصبح للتجسد قيمة ولا هدف. أمّا النسطورية فجردت التجسد من معناه الحقيقي، فالفكر النسطوري هو تأليه للإنسان يسوع المسيح، وإعطائه ألقابًا إلهية على سبيل النعمة، وليس تجسدًا للابن الكلمة، الذي له نفس جوهر الله الآب، الذي في ملء الزمان أخلى نفسه وأخذ صورة عبد من أجل خلاصنا كما يقول معلمنا بولس. ولذلك فأمومة العذراء ودوام بتوليتها كانتا الضمانة القوية لفهم حقيقة التجسد الإلهي في تاريخ صراع الكنيسة مع الهرطقات والأفكار المنحرفة.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx