اسم المستخدم

كلمة المرور

    
 
بحث
اللغه
select
السة 5026 أغسطس 2022 - 20 مسرى 1738 ش     العدد كـــ PDFالعدد 31-32

اخر عدد

رسائل مُقدَّمة في حالات الضيق - عظة الأربعاء 17 أغسطس من كنيسة التجلي بمركز لوجوس البابوي بدير الأنبا بيشوي

قداسة البابا تواضروس الثانى

26 أغسطس 2022 - 20 مسرى 1738 ش

أريد أن أكلمكم اليوم عن بعض الرسائل التي من الممكن أن تُقدَّم لنا في حالات الضيق. الإنسان في حياته يتعرض لضيقات كثيرة، قد تكون خفيفة وقد تكون ثقيلة، ضيقات قصيرة زمنيًا ويمكن أن تطول في الوقت. كيف نواجهها بشكل مسيحي سليم، لا بالكلام أم الإشاعات أو اليأس أو التشكيك. كيف نتصرف في حالات الضيق؟

القديس بولس الرسول في رسالته لأهل رومية، الأصحاح 12، وضع لنا مجموعة من العبارات والآيات التي تساعدنا أن نرسم خطواتنا وقت الضيق. وقد اخترت آية واحدة فقط فيها ثلاث محطات تساعدنا كيف نواجه الضيقات.

«فرِحينَ في الرَّجاءِ، صابِرينَ في الضّيقِ، مواظِبينَ علَى الصَّلاةِ» (روميَةَ 12:12)

(1) فرِحينَ في الرَّجاءِ

العلامة الأساسية للرجاء هي الفرح. الإنسان المسيحي دائمًا فرح في كل الأحوال، حتى في ساعة مواجهة الموت. الموت يرتقي بالإنسان الى السماء، ونصلي قائلين إنه "ليس موت لعبيدك بل هو انتقال"، وأتذكر أن المتنيح البابا شنوده قال عن الموت إنه القنطرة الذهبية التي تنقل الإنسان من الحال الأرضي إلى حال السماء.

الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس «محبة، فرح، سلام...»، بل هو الثمرة الأولى لعمل الروح القدس في حياة الإنسان المبنية على المحبة.

كن فرحًا، هذه رسالة أمل وعدم يأس، لأن الحرب التي تحارب الإنسان هي حرب اليأس، وأن يفقد الإنسان الأمل أو الرجاء، لذلك يقول لنا القديس بولس «فرحين في الرجاء».

أيضًا فرح الإنسان في مواجهة الضيقات يرجع إلى منبع الفرح الرئيسي وهو قيامة السيد المسيح، مثلما حدث للمريمات في صباح أحد القيامة. في كل ضيقة يتضايق فيها قلب الإنسان، اذكر فرح المسيح الذي أعطاه لك، واذكر الأبدية التي هي رجاء كل إنسان.

من العلامات الجميلة في كنيستنا القبطية أننا نكثر من ترتيل كلمة "هللويا" (هللوا لله) علامة الفرح، وكأن الكنيسة تعلّمنا من خلال صلواتها وتسابيحها أنها تخلق فينا إنسان هللويا، الإنسان الفرح. لا تنسوا أن الفرح علامة الصحة الروحية، الإنسان ذو الإيمان الصحيح وقلبه ممتلئ بالمسيح، يكون فرحًا. أما الإنسان الذي ينطق بالأكاذيب وعبارات التشكيك واليأس، فليس المسيح في قلبه. مثل هذه الإنسان ينزعون الرجاء والأمل، ويجعلك تغرق في حالة من الكذب والمتاعب والألم ويغيب عنك الفرح.

إخوتنا الذين سبقونا للسماء في حادثة كنيسة أبو سيفين في إمبابة، كانوا يحضرون القداس، ومن يأتي لحضور القداس يأتي بإرادته مستعدً لكي يتناول، والمسيح قال «من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه»، المسيح وثبات المسيح فيك هو سبب الفرح.

«فرحين في الرجاء»، عندما ترفع قلبك وعينيك نحو المسيح تجد الرجاء، وعندما تجد الرجاء يمتلئ قلبك بالفرح. لنا رجاء في يد المسيح وفي عمل المسيح ويده الممدودة على الصليب من أجل الإنسان. لا تجعل هذه الحقيقة تغيب عنك أبدًا. فرحنا بسبب الرجاء الذي عندنا. حين نقرأ عن الشهداء، نجدهم يتقدمون إلى الموت وهم في حالة الفرح، وأتذكر أبناءنا شهداء ليبيا وهكذا كانوا. توجد الضيقات ولكن يوجد فرح في الرجاء، وإن كان لنا أبناء أحباء كبارًا أو صغارً انتقلوا على الرجاء، فنحن نودعهم على رجاء القيامة. مسيحيتنا ليست مسيحية الحزن. نحن معشر المسيحيين لنا فرح خاص ولا يستطيع أحد أن ينزع فرح المسيح من داخلنا.

(2) صابِرينَ في الضّيقِ

الصبر هنا يعني ألّا تقع في بالوعة اليأس أو بالوعة التشكيك. في الضيقات يحاول الشيطان أن يشكّك في محبة الله، وفي أيّة إجراءات تتم بأيّة صورة من الصور، وفي محبة الآخرين، يشكّك في سلامة العقول... انتبه أيها الحبيب. تذكروا معي يوسف الصديق وما تعرّض له من ضيقات، ولكنه صبر في الضيق والنهاية كانت أنه صار الثاني لفرعون في مصر وأنقذ مصر من المجاعة. الضيق ينشئ صبرًا، وبصبركم تقتنون أنفسكم.

القديس بولس يقول إن «كل الأشياء تعمل معًا للخير...» (رو8: 28). قد يتساءل البعض: ما هو الخير في احتراق الكنيسة وانتقال الكثيرين؟ ولكن الكتب يؤكد أن كل الاشياء تعمل معًا للخير، قد لا ندرك الآن ما هو هذا الخير، ولكننا نؤمن أن الوصية صادقة، وأن الإيمان حاضر. نحن نحب الله مهما كان نوعية الضيقات، ومهما تألمنا لفراق الأحباء، ومهما كانت نوعية المتاعب التي يقع فيها الإنسان. قل له: "أنا أحبك يا رب، وأعلم أني ابنك (أو ابنتك)، وأن عينك عليّ، وتمسك بيدي في وسط الضيقة، وحتى إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي". والكتاب المقدس مليء بقصص الذين جازوا في الضيقات، بل إن السيد المسيح قال لنا: «في العالم سيكون لكم ضيق، لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم»، وقال أيضًا: «بصبركم تقتنون أنفسكم»، فالمسيح اشترى نفوسنا بدمه، ونحن نقتني نفوسنا بالصبر. في سفر الرؤيا نقرأ هذه العبارة الجميلة «هنا صبر القديسين»، فالأبدية يملؤها القديسون الذين عاشوا بالصبر وتكلّلوا بهذا الصبر. الضيقات التي تقابلنا في حياتنا تصنع في حياتنا أكاليل. أنا متألم مع كل أحبائنا الذين رحلوا عند المسيح، متألم لمن فقد حبيبًا أو عزيزًا، لكن عندنا الإيمان الكافي أننا سنراهم في الأبدية، وأننا استودعناهم في يد المسيح، وكأننا استودعنا كنيسة كاملة فيها الكبير والصغير، الشاب والشابة، الرجل والمرأة، استودعناهم جميعًا عند المسيح. صحيح الموقف مؤلم ومتعب والحادثة مفجعة، لكن لنا رجاء، نحن فرحون في الرجاء وصابرون في الضيق. الصبر في الضيق يجعل الإنسان دائمًا مستعدًا للأبدية، فمن يعيش على الأرض بلا ضيقات لا يمكن أن يفكر في الأبدية. الضيقات تعلمنا أن نرفع قلوبنا وعيوننا للسماء، ونطلب تعزيات المسيح.

(3) مواظِبينَ علَى الصَّلاةِ

أمّا الخطوة الثالثة والدائمة فهي «مواظبين على الصلاة»، مواظبتنا على الصلاة في حال الفرج أو في حال الضيق، في بداية حياتك ونهايتها. هؤلاء انتقلوا وهم في حال الصلاة، والصلاة هي صمام الأمان في الفرح وفي الضيقات. فى الفرح أصلي وأشكر الرب، وفي الضيقات أصلي وأشكر الرب وأطلب معونته. حينما يقف الإنسان ليصلي ويرفع عينه للسماء وقلبه نحو المسيح، ويحس أنه في تواصل، وكأن المسيح يقول لك: أنا أسمعك، تكلم وعبّر عمّا بداخلك. في كل مرة نصلي، نقدّس أعمارنا ونقدس ساعات العمر. في كل مرة نصلي نستجلب الفرح من المسيح. في مهاية القداس يصلي الكاهن: "امتلأ فمنا فرحًا ولساننا تهليلًا". وعند ذهابنا للكنيسة نرتل: "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب". الصلاة أقوى معين للإنسان وقت الألم. الصلاة تنقّي الحواس وتنقي القلب. داود النبي يقول: «محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي»، يقول هذا رغم الضيقات كثيرة التي تعرّض لها في حياته. الصلاة مصدر تعزية في الضيقات، ومصدر فرح في الضيقات، هي التي تعزّي وهي التي تفرح الإنسان، وهي التي تساعد الإنسان أن يجتاز هذه الآلام في حياته.

ونحن نجتاز وقت ضيقة بسبب حادث كنيسة إمبابة وانتقال أحباء لنا ذهبوا إلى السماء وصاروا في أحضان المسيح، ونتألّم جدًا، لكن هذا الألم له وضع خاص بسبب رجائنا في المسيح، وصبرنا في الضيق، ومواظبتنا على الصلاة. في إنجيل معلمنا يوحنا يقول الرب: «اطلبوا فتأخذوا ليكون فرحكم كاملًا»، اطلبوا بالرجاء وبالصلاة فتأخذوا بالصبر فيكون فرحكم كاملًا.

هذا هو الإنسان المسيحي في مواجهة الضيقات التي تواجهه في حياته. نحن نتعزى بكلمة الله وبيد المسيح، وعيوننا تكون مرفوعة للسماء دائمًا. ليحفظكم المسيح إلهنا ويعزّي قلوب الجميع، ويذكر كنيسته، ويذكر عمله، ويحرسنا من كل الضيقات. أقدم التعزية للجميع، وأيضًا أقدم الشكر لكل الذين ساندونا في هذه الضيقة. ربنا يحفظ الجميع. لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.




  • تقييم المقال
     
  • مقالات اخري للمولف
  • |
  • طباعه


سياسه التعليقات

اضف تعليقا


عنوان التعليق
موضوع التعليق

2012 © Site developed and maintained by PSDWorx