يُسمَّى أشعياء النبي بالنبي الإنجيلي لما حملته نبواته من وصف دقيق لحياة السيد المسيح بدءًا من ولادته حتى صلبه وقيامته وملكوته. ومن أروع الآيات في هذا السياق قوله: «ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسّى القائم رايةً للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا» (إش11: 10). والمقصود بأصل يسّى السيد المسيح المُشار في تلك الآية إلى صليبه (رايةً)، وقيامته (القائم)، وصعوده إلى السماء (محله). وكلمة محله في الترجمة العبرية هي "مينوخاه" وتعني موضع راحته، أما في الترجمة السبعينية فهي "أناباوسيس" anapausis وتعني السكينة وراحة النفس. بالتالي، يكون المعنى الأدق للآية: "ويكون موضع راحته أو موضع سكينته مجدًا".
وبالطبع، لم تكن تلك المرة الوحيدة التي تحدث فيها الكتاب المقدس عن موضع راحة الرب. ومن أعجبها الحوار الصريح الذي دار في مزمور 132، وهو أحد مزامير المصاعد، حيث يحث المرتل الرب قائلًا: «قم يا رب إلى راحتك أنت وتابوت عزك» (مز132: 8)؛ فيجيبه الرب قائلًا عن صهيون: «هذه هي راحتي إلى الأبد. ههنا أسكن لأني اشتهيتها» (مز132: 14). ومن الواضح جدًا من خلال هذين النصّين الكتابيين في إشعياء 11، ومزمور 132 ارتباط القيامة بالراحة الحقيقية.
والراحة المذكورة هنا تختلف عن الراحة المذكورة تسع مرات في سفر العبرانيين حيث اُستُعمِلت الكلمة اليونانية "كاتاباوسيس" katapausis أي التوقف عن العمل والحركة: «إذًا بقيت راحة لشعب الله. لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضًا من أعماله، كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها» (عب4: 9-11). أما الكلمة اليونانية المستعملة في وصف الراحة الأبدية في الملكوت فهي كلمة "أناباوسيس" anapausis كما هي مستعملة في سفر الرؤيا: «وسمعت صوتا من السماء قائلًا لي: «أكتب: طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن». «نعم» يقول الروح: «لكي يستريحوا من أتعابهم، وأعمالهم تتبعهم».» (رؤ14: 13).
يوجد إذًا نوعان مختلفان من الراحة في الكتاب المقدس: الأولى تعني الكفّ عن الأعمال والحركة وهي نفسها "حفظ السبت"، أما الثانية فتعني السلام القلبي الفائق وسكينة النفس والعقل اللذين نحوز عليهما في الملكوت. الأولى مطلوبة منّا كوصية لا بد أن نجتهد لتحقيقها هنا على الأرض، أما الثانية فهي ثمرة ومكافأة الجهاد نحصل عليها في الملكوت هنا وهناك. ولتبسيط الأمور، تعني الراحة الأولى التفرُّغ وعدم الاربتاك بأيّ عمل للانشغال بالرب وحده، وهو نوع من الجهاد متعدد الدرجات يصل فيه المتوحدون إلى أعلى درجاته وهي "السكون". ومن البديهي أن تؤدي تلك الراحة الأولى إلى الحصول على الراحة الثانية وهي التعزية والفرح والسلام السمائي الذي يفوق كل عقل.
فيا عريس نفوسنا محب البشر الصالح، الذي من فرط وداعته وتواضعه يلتمس موضع راحته في قلوبنا، نتوسل إليك أن تعطي نفوسنا أن تكف عن الطواف والجلبة حتى تصل إلى السكون الذي فيه تجدك أنت وحدك سلامنا وراحتنا فيصير موضع محلك مجدًا!!