الصبر ثمرة من ثمار الروح القدس (طول الأناة) التي تحتاج الي جهاد ومعرفة في اقتنائها، كما أنها لا تعني عدم العمل أو التواكل لتدخل الله في حل المشكلات دون البحث في حلها واتخاذ أفضل الوسائل للوصول للحل أو علاج وإنهاء المشكلات التي نواجهها في حكمة وقوة وجهاد وعمل بتأنّي.
مفهوم الصبر
الصبر هو التجلُّد والاحتمال وطول الأناة، المثابرة، ضبط النفس، تمالك الأعصاب، والتماسك في وجه الاستفزاز والظلم، وهو ليس موقفًا سلبيًا، بل هو موقف إرادي إيجابي. والدافع له هو محبة الله، ومن ثَمّ محبة المسيحي للآخرين.
فوائد وبركات الصبر
1- نوال مواعيد الله: إننا نحصل على كثير من البركات والنعم الفضلى في حياتنا من وراء الضيق والألم. إن غيوم التجربة قد تجلب أمطارًا من البركات «لأنكم تحتاجون إلى الصبر حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد» (عب10: 36).
2- بالصبر نقتني الثمار الروحية: النمو الروحي يلزمه الصبر «نامين في معرفة الله» (كو1: 6)، «الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر» (لو8: 15). كما أن الصبر يؤهّل الإنسان إلى الكمال «وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين..» (يع1: 4).
3- بالصبر ننال الملكوت: أوضح السيد المسيح والرسل «أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله» (أع14: 22). «إن كنا نصبر فسنملك أيضًا معه (للأبد)» (تي2: 12).
4- الصبر يعلمنا ضبط للنفس: إن ضبط النفس فضيلة سامية «اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ، وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أم16: 32). عندما تواجه آخرين فيتصرفون معك بدون لياقة وبعدم احترام، فاضبط نفسك ولا تفقد رجاءك فيهم، بل بطول أناتك اكسبهم واعلم أن رابح النفوس حكيم.
أنت تعلم أن الله يقاتل عنك وأنت صامت، فلا تقابل الأخطاء بالأخطاء، فالنار لا تُطفَأ بالنيران بل بالماء. احتمل الافتراءات ولا تنتقم لنفسك، والتمس الأعذار للناس كضعف بشري يحتاج إلى العلاج والوقوف مع من يسيء إليك في خندق المحبة والتأني والترفُّق به، ولا تفقد الأمل في الإصلاح، وسيأتي اليوم وستجني ثمر الصبر.
5- الصبر يهبنا التنقية والقداسة: الصبر مدرسة لتنقية المؤمن من الضعفات والشوائب، ولتقوية الإيمان وبنيان حياة المؤمن لتحقيق القداسة التي هي إرادة الله من أجلنا، فالرب يؤدب أولاده لكي يشتركوا في قداسته (عب12: 4-13)، فهذا التأديب إنما هو لخير المؤمن ومنفعته «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ» (رو8: 28). لذلك يجب على المؤمن أن يفرح في كل حين «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا» (في4:4). «وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا» (رو5: 3)، كما ينشيء امتحان الإيمان صبرًا «اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا» (يع1: 2-3).
لقد احتمل آباؤنا القديسون حتى الاضطهاد والاستشهاد من أجل الثبات على الإيمان، من أجل هذا كرّمهم الله والكنيسة في كل زمان «حَتَّى إِنَّنَا نَحْنُ أَنْفُسَنَا نَفْتَخِرُ بِكُمْ فِي كَنَائِسِ اللهِ، مِنْ أَجْلِ صَبْرِكُمْ وَإِيمَانِكُمْ فِي جَمِيعِ اضْطِهَادَاتِكُمْ وَالضِّيقَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُونَهَا» (2تس1: 4). والسيد المسيح يعلّق اقتناء النفس بالصبر، فبعد أن يعرض الضيقات العتيدة التي تصادف المؤمنين في العالم، يصف الدواء «بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ» (لو21: 19).
6- الصبر يثمر فينا الهدوء والصمت: إن الصبر يثمر فينا حياة الهدوء والصمت «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «بِالرُّجُوعِ وَالسُّكُونِ تَخْلُصُونَ. بِالْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ تَكُونُ قُوَّتُكُمْ». فَلَمْ تَشَاءُوا» (إش30: 15). الصبر يعطي للإنسان هدوء الحواس واللسان «هُدُوءُ اللِّسَانِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ، وَاعْوِجَاجُهُ سَحْقٌ فِي الرُّوحِ» (أم15: 4). لهذا يوصينا الإنجيل «إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ» (يع1: 19)، وسليمان الحكيم يعلمنا حكمة الصمت فيقول «لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ... لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ» (جا3: 1 و7).