«فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه» (تك6:6).
«والرب ندم لأنه ملَّك شاول على إسرائيل» (1صم15: 35).
+ هل الله يفعل الفعل ثم يندم عليه؟ حاشا!
+ هل يختار الله إنسانًا ثم يكتشف أنه أخطأ الاختيار؟ حاشا!
+ هل الله لا يعرف ماذا يخبئه المستقبل؟ حاشا!
+ هل الصورة التي صوَّرها العهد القديم عن الله صورة مليئة بالتشويش والتناقض وسوء الفهم؟ أم أن كاتبي الأسفار أخطأوا في التعبير؟ أم هذه النصوص دخيلة وعبارات محرَّفة؟... بالطبع لا، لأن «كل الكتاب هو موحى به من الله» (2تي3: 16).
+ يمكن أن نلخص الإجابة في السطور الآتية:
1- الله منزَّه عن الحزن والأسى والندم، لأن كل شيء مكشوف أمامه، «ليس عنده تغيّير ولا ظل دوران» (يع1: 17)، «نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم لأنه ليس إنسانًا ليندم» (1صم 15: 29)، «لأني أنا الرب لا أتغيَّر» (ملا3: 6).
2- الله لا يتغيَّر، ولكن تتغيَّر معاملته للإنسان، طبقًا لتغيُّر موقف الإنسان، فإذا انتقل الإنسان من الشر إلى الصلاح استحق الرحمة الإلهية، والعكس إذا انتقل من الصلاح إلى الشر، فيحقّ عليه العقاب الإلهي، وهذا يتماشى تمامًا مع العدل الإلهي.
3- الكتاب المقدَّس هو رسالة الله للبشرية، يستعمل اللغة البشرية التي يدركها الإنسان للتعبير عن الأحداث الإلهية، كمن يتكلم بالإنجليزية لمن يتحدثون الإنجليزية، والفرنسية للفرنسيين... فاستخدام الصفات البشرية في وصف الله يعرف بمنهج "أنثروبومورفيزم" Anthropomorphism أي تشبيه الله بالإنسان، بهدف وصول المعاني الإلهية للإنسان، فالوحي الإلهي استخدم تلك التعابير البشرية «فحزن الرب.. وتأسف في قلبه» ليعبّر عن حجم الكارثة، فبعد أن سُرَّ الله بخلق الإنسان بدافع الصلاح والمحبة، عاد وحزن لأن هذا الإنسان موضع سرور الله قد هوى في بئر الخطية والشر. إنه تعبير بشري يحمل معنى مدى نفور الله من الشر من جانب، ومدى شفقة الله على الإنسان الذي سقط وحلَّ به العقاب الإلهي من جانب آخر. لذلك قال المزمور عن الله: «وندم حسب كثرة رحمته» (مز106: 45)، كندم الأب وتأسُّفه وهو يعاقب ابنه العاصي كي يرده إلى الصواب، وإن كان الندم ينشأ لدى الإنسان بسبب حدوث شيء لا يتوقعه، فإن مفهوم الندم لدى الله أنه غيَّر قضاءه بالنسبة للإنسان، فمحب البشر يهلك البشر!
4- علينا ألا نستنكر وصف الله بالصفات والمشاعر البشرية، وقد ذكر الكتاب يد الله، ومشى الله، وعين الله، ولسان الله، وهو قد ارتضى أن يتجسد ويتأنس، فيأكل ويشرب وينام ويحزن ويبكي...
+ وأخيرًا.. بدلًا من أن نستنكر تأسُّف الله (الذي لا يشمت بهلاك الإنسان، إنما يحزن عليه) على شر الإنسان، فلنتب حتى يفرح قلب الله بنا، بالتوبة والقداسة.
