أهنئكم بعيد القيامة المجيد والذي يحتفل به كل مسيحيّي العالم في نفس التوقيت من هذا العام. ونتذكر بالخير شهداء أحد الشعانين الذين سجّلوا بدمائهم صفحة جديدة في تاريخ الكنيسة القبطية المصرية. نتذكرهم بالخير وأن الله اختارهم، لأننا نعلم أن الله هو ضابط الكل الذي يدبّر حياتنا جميعًا. ونحن نشكره دائمًا ونقول: "فلنشكر صانع الخيرات". نذكرهم بالخير مع كل الشهداء، ونذكر بلادنا الحبيبة مصر، ونصلي دائمًا من أجل أن يحفظها الله في سلام ويبعد كل شر وكل شبه شر عن حدودنا في بلادنا مصر، وعن كل منطقة الشرق الأوسط.
عندما نتأمل قيامة السيد المسيح، نجد أن آيات كثيرة في الكتاب المقدس تكلمت عن القيامة، لأن القيامة هي الحدث الأول والأساسي في تاريخ مسيحيتنا، فبلا قيامة وبلا صليب لا يكون للمسيحية أيّ وجود. من الآيات الكثيرة التي تتكلم عن القيامة، وتتكلم بصورة شخصية وفردية، كتبها ذلك القديس الذي لم يكن يعرف المسيح لزمن طويل ربما إلى نصف عمره، ولكنه في منتصف العمر ظهر له السيد المسيح وعرّفه ذاته، وكانت النتيجة أنه صار من شاول الطرسوسي إلى بولس الرسول، في رسالته إلى أهل فيلبي، وكان وقتها في السجن، كتب عبارة من أقوى العبارات التي تتكلم عن اختبار القيامة، كتب قائلًا في الأصحاح الثالث عدد 10: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (فيلبي3: 10). وهذه المعرفة والخبرة الروحية في القيامة يحدّدها القديس بولس في هذه الملامح الأربعة.
أولًا: «لأَعْرِفَهُ»: وهي كلمة بصيغة التأكيد، وهذه المعرفة شخصية وليست معرفة سماعية فقط، وهذه المعرفة هي معرفة لشخص المسيح ذاته، وللتأكيد على هذه المعرفة يقول: "لأَعْرِفَهُ". وهذه المعرفة تحدّث عنها أيوب الصدّيق في نهاية سفر أيوب حينما قال: «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي» (أيوب42: 5). في هذه المعرفة يعرف محبة المسيح ويعرف وصية المسيح ويعرف خلاص المسيح ويعرف سلوكيات المسيح التي وضعها في قلوبنا؛ وهي المعرفة الاختبارية.
ثانيًا: «وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ»: الملمح الثاني أن القديس بولس الرسول ذكر "وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ". فالقيامة لها قوة، وهذه القوة أقوى من كل شيء، فالقيامة ليست حدثًا تاريخيًا ولكنها حالة معاشة يعيشها الإنسان ويختبرها ويتمتع بها. القيامة تعلن أن الموت ليس هو نهاية المشوار. القيامة هي التي أقامت مريم المجدلية وقت أن كانت متحيّرة، حتى أنها في وسط حزنها ظنّت أن السيد المسيح هو البستاني، وعندما ناداها باسمها فرحت بلقاء السيد. القيامة هي التي أقامت التلاميذ من خوفهم، كانوا خائفين وكانت الأبواب مغلّقة، ولكن عندما ظهر لهم السيد المسيح، يقول الكتاب: «فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ» (يوحنا20:20). القيامة هي التي تقيم الإنسان من الخطية، فلا يمكن للإنسان أن يقوم من دنس الخطية إلّا من خلال قيامة السيد المسيح التي فرّحت كل البشرية، عندما عُلِّق على الصليب ومات موت الصليب من أجل كل إنسان.
ثالثًا: «وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ»: الملمح الثالث في اختبار القديس بولس الرسول يقول: "وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ". وهنا يأخذنا العجب أنه يذكر قوة القيامة قبل أن يذكر شركة الآلام. في التقليد المسيحي القديم عندما كانوا يعلّقون الصليب كانوا لا يرسمون عليه جسم السيد المسيح، وسبب ذلك أنه يعلن أن المسيح قد قام من بين الأموات، وفرحة القيامة الطريقة إليها من خلال الصليب. أتذكر مرة في زيارتي لإحدى الدول أن رأيتُ صليبًا من الخشب مُفرَّغًا لكن كان عليه صورة المسيح القائم. فالمسيح موجود بجسده القائم من بين الأموات. شركة الآلام هنا التي يتكلم عنها القديس بولس الرسول تعني أن القيامة تأتي بعد الآلام. فشركة الآلام تحدث عندما يشترك فيها الإنسان، لأنه لا يوجد مجد بدون ألم، ولا يوجد إكليل حياة بدون إكليل شوك. إكليل الشوك أعطانا إكليل الحياة، ولا قيامة بدون صليب. ولذلك شركة الآلام التي نجتازها، يجتازها الإنسان وتجتازها الكنيسة وتاريخها الطويل، ونسجلها بفصول كثيرة من قصص وأحداث الاستشهاد، لقد صارت كنيستنا القبطية المصرية "كنيسة الشهداء"، ومعروفة بهذا اللقلب في كل العالم حتى أننا نقول: "أم الشهداء جميلة" والمقصود بها الكنيسة.
رابعًا: «مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ»: الملمح الرابع في خبرة القديس بولس الرسول: "مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ". بمعنى أن الإنسان المسيحي السائر في طريق الرب يموت عن الخطية. في كل مرة نحضر فيها القداس الإلهي نسمع الكلمات التي نختم بها قراءة الكاثوليكون «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ» (1يو2: 15). فنظرة المسيحي وشهوة قلبه الدائمة هي في السماء. "مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ" قال عنها القديس بولس الرسول في اختباراته الروحية القوية «مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ» (رومية8: 36). هذا الاختبار الروحي الذي يقدمه القديس بولس الرسول هو اختبار عبّر عنه القديس مرات كثيرة فيقول: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ» (أفسس5: 14)؛ السيد المسيح يضيء للإنسان النائم في الخطية، النائم في الشر، النائم في محبة العالم، النائم بعيدًا عن المسيح وبعيدًا عن معرفته الحقيقية. الإنسان النائم لا يعرف قيامة المسيح ولا يختبرها ولا يعيشها، القديس بولس الرسول من خلال الكلمة المقدسة يدعو كل أحد: «اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ (أموات الخطية) حينئذ يُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ».
تهنئتي القلبية للجميع، وقلوبنا تعتصر بالألم لفراق أحبائنا الشهداء، ولكننا نذكرهم على الدوام لأنهم رقدوا على رجاء القيامة، قيامة المسيح. الله يحفظكم ويبارك حياتكم.
ورسالتي هذه أوجهها إلى الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة، القمامصة والقسوس وإلى كل الشمامسة والخدام وإلى لجان ومجالس الكنائس، إلى كل الأطفال، وإلى كل الأسر بكل كنيسة في كنيستنا القبطية الممتدة في قارات العالم، في أمريكا وكندا وأمريكا اللاتينية وأوروبا وأفريقيا وآسيا واستراليا.
تحيتي ومحبتي ومحبة كل الكنيسة الأم هنا في مصر نرسلها إليكم. راجين لكم أن تتمتعوا دائمًا بالقيامة في حياتكم. خريستوس آنيستي، آليثوس آنيستي. المسيح قام بالحقيقة قام.