أريد أن أحدثكم اليوم عن كلمة مهمة وهي كلمة "أب" في الأسرة المسيحية مثلما يقول سليمان الحكيم: «يا ابني احفظ وصايا أبيك، ولا تترك شريعة أمك» (أمثال ٦: ٢٠)، هذه الآية توضح لنا أن الأب هو الذي يقدم الوصية لابنه. يقول الرسول مخاطبًا أهل كورنثوس «كونوا متمثلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح» (1كو11: 1)، هذه الآية من الممكن أن تكون شعارًا لكل زوج وأب.
كلمة أب من الكلمات الغالية في القاموس المسيحي بصفة عامة، فعندما نصلي الصلاة الربانية نقول: "أبانا الذي في السموات" مخاطبين الآب السماوي، ومَن يرعانا نقول عنه "أبونا" (بصيغة الجمع)؛ الكلمة لها محل كبير في حياتنا المسيحية وبالذات في كنيستنا القبطية.
الأب هو رأس العائلة بلا منازع، وهو يمثل العائلة كلها ورمزها، إذًا وجود الأب شيء مهم جدًا في حياة الأسرة، ويوجد مَثَل عند الأجانب: "عندما تتقدم للزواج، اختر أُمًّا صالحة لأولادك". وأنتِ كذلك عندما تختارين الزوج، اختاري أبًا صالحًا لأولادك في المستقبل.
من هو الأب في الأسرة المسيحية؟
١- الأب هو البداية: هو الذي بدأ تكوين الأسرة، هو صاحب الخطوة الأولى في تكوين الأسرة، وتكوين الأسرة عطية من عطايا الله. من أجل هذا كل شاب سيبدأ في الارتباط يجب أن يعرف ما هو مقدم عليه وأنها خطوة مهمة ولها أثرها على مدى الزمن.
٢- الأب هو كاهن الأسرة: لهذا يلبس في الأكليل "البرنس". كاهن الأسرة هنا معناها أنه هو المسئول عن سلامة الأسرة الروحية. هو رأس الأسرة الذي يحتوي الأسرة.
٣- الأب هو الحماية: هو القدوة والنموذج الأول. ما يصنعه الأب هو الذي يرتسم في ذهن الزوجة والأبناء والبنات عن الله، إذا كان الأب عنيفًا فإنهم يتصورون الله عنيفًا، وهكذا...
الأب هو أول شخص يراه الأبناء، ومن خلاله يفهمون الحياة كلها، فهو له مسئولية واعتبار وتقدير فوق كل شيء، ومن هنا جاءت الوصية الحلوة: «أكرم أباك وأمك».
من هو الأب المثالي في الأسرة؟
(أ) الاتضاع والاحتمال: مثلما حين نرى أبًا يلعب أولاده على الأرض بألعابهم. الأبوة تعني الاتضاع وليست الأوامر ولا السيطرة. عندما أقول إن الأب رأس الأسرة، فلا أعني أنه هو الحاكم الآمر، بل أقصد الشخص الذي باتضاعه وباحتماله يقدم النموذج الحلو، مثلما انحنى السيد المسيح وغسل أرجل التلاميذ. شكل آخر من أشكال الأبوة ما فعله ألقانة مع حنة (والدا صموئيل) عندما كانت تبكي لأن الله لم يرزقها بأبناء بعد، فأتى زوجها وقال لها: «أما أنا خيرٌ لكِ من عشرة بنين»، (1صم1: 8)، واحتضنها لكي يسند هذه النفس المكسورة. ألقانة زوج حنة أم صموئيل صورة الاتضاع والاحتمال؛ الأبوة ليست لقبًا ولكنها مسئولية ثمينة وغالية الثمن.
(ب) الحب والتقدير: الأب يحب ويصفح ويسامح، ولا أملّ من ذكر مَثَل الابن الضال عندما رجع إلى حضن أبيه وكيف جرى على ابنه واحتضنه. الحب ليس مجرد كلام، الحب أفعال. التقدير ليس كلامًا، التقدير أفعال.
(ج) التعليم والتأديب: لا يجب أن يترك الأب الحبل على الغارب لأبنائه، بل يجب أن يصبح معلمًا يرشد باستمرار. لا يترك الولد الصغير أو البنت الصغيرة تتعلم تارة من التلفزيون وتارة من الموبايل وتارة من الشارع، ويصبح الولد تائهًا ولم يتلقَّ تربية. الأب الجيد هو الذي يرشد ويضع مبادئ لابنه لكي يتعلمها. يجب أن يضع عينيه في رأسه وهو يربيهم، ليست تربية الأوامر ولا تربية العنف. الأب يرشد ويضع مبادئ.
كيف تكون أبًا صالحًا؟
١- قدم الله إلى أسرتك، قدمه بصفاته إلى اسرتك بالكلمة المقدسة بالتعليم، أنت كأب تكلم بالوصايا دائمًا، واجعلها دائما حاضرة في ذهن ابنك. ولا تكرر الكلام مثل جهاز التسجيل بل فكر كيف تقدم الوصية وكيف تشرحها وتتأكد أنها وصلت لابنك وابنتك. وظيفتك أن تقدم الله للأسرة، يرى فيك الأبناء صورة الله المتحنن، الذي عينه عليّ، الذي يسعدني ويقويني...
٢- قدم أسرتك أمام الله، قدمهم أمام الله عندما تقف لتصلي، قدمهم بصلوات الإيمان. اربطهم بالكنيسة وبالأسرار، خذهم إلى القداس وتناولوا معًا.
٣- قدم لهم الوقت: أغلى شيء تقدمه لأسرتك هو الوقت، لا يوجد أغلى من أن تجلس معهم لتلعب وتتكلم وتتواجد معهم، لا تنشغل عنهم، شاركهم، تعاون معهم... أحيانًا الأب لا يرى أبناءه بسبب المواعيد لمدة أسبوع أو اثنين! لا يأكل معهم، ولا يصلي معهم، ولا يجلس معهم... كيف يُدعى مثل هذا أبًا؟!
آيات أخيرة أضعها أمامكم:
+ «الذي يحبه الرب يؤدبه، وكأب بابنه يُسر به» (أمثال 3: 11).
+ «من سب أباه أو أمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام» (أمثال 20:20).
+ «العين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها، تقوّرها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر» (أمثال 30: 17).
دورك كأب في بيتك له أهمية بالغة، وعمل يجب أن تجيده تمامًا، كن أبًا على مستوى المسئولية وعلى مستوى الأمانة في أسرتك. اهتم بأسرتك إلى المنتهى فهذا هو ده دورك وهذه هي الحياة التي نعيشها.
لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.