إن كان أحد يجمع سبيًا
نيافة الانبا يوسف أسقف جنوب الولايات المتحدة الأمريكية
21 أكتوبر 2022 - 11 بابه 1739 ش
قدم لنا القديس يوحنا الرائي في الأصحاح الثالث عشر من سفر الرؤيا وصفًا مفصّلًا للوحش الأول الطالع من البحر. وأوضح لنا كيف كانت له سبعة رؤوس عليها اسم تجديف، وعشرة قرون عليها تيجان. وبعد أن شُفي هذا الوحش من جرحه المميت صنع حربًا مع القديسين وغلبهم. ثم أكمل القديس يوحنا معلّقًا على هذا المشهد قائلًا: «من له أذن فليسمع. إن كان أحد يجمع سبيًا فإلى السبي يذهب. وإن كان أحد يقتل بالسيف فينبغي أن يُقتل بالسيف. هنا صبر القديسين وإيمانهم» (رؤ13: 10). وقد نتعجب لأول وهلة من موقع هذه العبارة حيث قطع بها القديس يوحنا وصفه للوحش، مهتمًا أن يقدم لنا فيها قاعدة ثابتة وحقيقة قاطعة. من ثَمّ يكون أمرًا بديهيًا ارتباط تلك العبارة بالنص السابق لها وخصوصًا عبارة «وأُعطِي سلطانًا على كل قبيلة ولسان وأمة» (رؤ13: 7). ومن هنا نفهم أن كلمة السبي تعادل كلمة السلطان بمعنى أن الوحش له سلطان أن يجمع كل قبيلة ولسان وأمة تحت سبيه. ولكن من هو يا ترى الذي سيذهب حتمًا إلى هذا السبي؟ إنه كل من سبق وجمع سبيًا فيما قبل. وبالتالي، يكون أمرًا بديهيًا أن من يريد منا أن ينجو من السبي تحت سلطان الوحش الأول ينبغي عليه ألا يجمع آخرين إلى سبي أو عبودية. فمن يسبي الآن سوف يُسبى فيما بعد تحت سلطان مولى قاسٍ لا يرحم.
ومن ثَمّ ينبغي علينا أن نعرف من هو الذي يندرج تحت عبارة «إن كان أحد يجمع سبيًا». جامعو السبي كثيرون ومتنوعون. إنهم موجودون في كل شريك حياة يحاول التسلُّط على شريكه، وكل أب أو أم يتحكم في أبنائه، وكل راعٍ يسود على رعيته، وكل معلم صاحب كاريزما يسبي عقول سامعيه إلى مفاهيمه وقناعاته الشخصية بدلًا من تعاليم السيد المسيح، وكل متحزّب يستقطب أنصارًا إلى صفوفه، وكل كاهن أو شماس أو خادم يسعى لارتباط مخدوميه بشخصه وتعلُّقهم الكامل به، وكل غضوب يسبي ضمائر الآخرين برسائل الذنب وعدم الغفران، وكل بخيل يسجن من يعانون من بخله في سجن الحرمان، وكل امرأة تستغل جمالها وذكاءها لتسبي آخرين في أشراك الشهوة، وكل مخترع شر ينتج أفلامًا إباحية وألعابًا إلكترونية تلفّ رباطاتها حول البلايين من الرجال والشباب والأطفال، وكل مدمن مروِّج أو متاجر يجمع سبيًا غفيرًا للكحوليات أو المواد المخدرة، وكل متعاطٍ مع الأسحار وأعمال إبليس لكي ينتقم من آخرين أو يخضعهم قسرًا لهواه الشخصي. إنهم باختصار سالبو حرية مجد أولاد الله، سجّانو الأجساد، والعقول، والنفوس، والمشاعر، والإرادة.
ليتنا نفحص أنفسنا في خوف الله عالمين أن السيد المسيح قادر على المناداة لمأسورينا بالعتق، وسبي سباينا إلى ملكوته بذراعه الرفيعة، أما نحن فإن أصررنا على أن نجمع سبيًا فإلى السبي لا بد أن نمضي، ولن نخرج من هناك حتى نوفي الفلس الأخير!!